أبها .. عاصمة «الضيافة» العربية
في أحدث كتاب عن تاريخ مدينة أبها واختيارها عاصمة للثقافة العربية، أصدرت دار بلاد العرب للتوزيع والنشر كتاب "أبها عاصمة السياحة العربية"، لمؤلفه الدكتور محمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى سابقا.
وتحدث الدكتور آل زلفة خلال زيارته معرض الرياض الدولي للكتاب عن كتابه بقوله: "لعل من المصادفات أن هذا العام الذي تحتفل فيه أبها بكونها عاصمة السياحة العربية ممثلة لكل المدن السعودية، هو نفسه العام الـ 100 على انضمامها للوحدة الوطنية التي أرسى دعائمها الملك عبدالعزيز في عام 1338هـ، لذلك أحببت المشاركة بهاتين المناسبتين، وأن تكون أولى مشاركاتي هذا الكتاب الذي يضم عددا من المقالات والدراسات عن مدينة أبها".
وحول محتوى الكتاب، قال "أبها مدينة السلام والأمان، ولم يحدث أن حدثنا التاريخ بأنها شهدت حروبا أهلية أو صراعات فئوية أو قبلية، إلا حينما وجدت نفسها في صراعات فرضت عليها من خارجها، ولكنها في مواجهة تلك الظروف لم تكن سهلة ومستسلمة لمن فرضوا عليها تلك الظروف؛ بل كانت عصية عنيدة جبارة في صمودها، سريعة النهوض بعد كل ظرف صعب مر عليها".
وبيَّن أنه خلال 162 سنة، أي بين عامي 1800 و1962م، مر على مدينة أبها أكثر من ثلاث حروب طاحنة، وحصارات عدة كان آخرها ضرب المدينة بالطائرات المصرية عام 1962م، فيما تعاقب على مقاليد الحكم في عسير خلال 200 سنة نحو 37 حاكما، أولهم أربعة حكام محليين حكموا لمدة 22 سنة، وينتمون لأسرة واحدة هي المتاحمة وآل أبو نقطة، أما الـ 51 سنة التي تلتها فقد تناوب على حكمها أربعة من الحكام العسيريين وجميعهم من بني مغيد. وفي عام 1871 م، سقطت عسير في أيدي العثمانيين، ودام الحكم العثماني لمدة 49 سنة، تناوب على السلطة 16 واليا ومتصرفا. وبعد الانسحاب العثماني سلم المتصرف محيي الدين باشا (وهي نسبة لمن يجمع بين السلطتين المدنية والعسكرية) أبها إلى حفيد الأمير محمد بن عايض، وهو الأمير حسن بن علي بن عايض، ولم يدم حكمه أكثر من سنة، ومنذ عام 1338هـ انضمت عسير إلى الوحدة الوطنية، وتعاقب على الحكم 12 حاكما، كان أولهم شويش الضويحي، وآخرهم الأمير خالد الفيصل، وحاليا الأمير فيصل بن خالد.
وأوضح أنه رصد في الكتاب موضوعاً لم يسبق نشره، وهو يوميات مالية أبها، وهو فصل يوضح الأوضاع الاقتصادية التي عاشتها المدينة، وتحدث فيه عن أول مدير للمالية في أبها، وهو الشيخ عبد الوهاب أبو ملحة عام 1344م، واستمر بهذه الوظيفة إلى جانب إدارة ماليات جازان ونجران وبيشة والقنفذة في فترات تالية.
وبيّن الدكتور محمد آل زلفة أن هذه اليوميات تمثل بساطة تدوين الإنفاق الحكومي، المتمثل في معظمه إنفاق عيني من حبوب وقهوة وسكر وشاي وغير ذلك من الإنفاق النقدي البسيط على المشتريات، أو أجرة بعض الأعمال كالسقايين، والرعاة، والبنائين، والخبازين، ومن يقوم "بالصهار" للقصر الأمير أو القاضي.
ولفت الانتباه إلى كثرة زوار أبها من مشايخ القبائل ومندوبي الملك والموظفين المنتدبين من حكومة المركز في الرياض.
وقال آل زلفة إن "السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نتحدث عن أبها عاصمة السياحة وعن الجزء الأهم من مرتكزات السياحة، علما أنها كانت تؤمّن مراكز الإيواء أو الأماكن الذي ينزل فيها زوار المدينة؟ والجواب المذهل أن هذه المدينة المتحضرة كانت مستعدة لتأمين السكن لكل زوارها وبطرق حضارية، ففي المدينة أسر تجهز منازلها لاستضافة الزوار، وخدمة الزائر كل حسب مكانته وإمكاناته، فالحكومة تقوم بالإنفاق على ضيوفها وزوارها، والزائر أو الضيف يختار النزل الذي يناسبه من تلك النزل التي تديرها الأسر، ومنها ما يتفاوت في الدرجات، وبعض النزل تدار من كل أفراد العائلة الزوج والزوجة والأبناء، ومنها ما يتميز باستضافة كبار الضيوف من المنتمين إلى البيئات الحضارية، ومنها ما يلبي احتياجات شيوخ القبائل من البادية، إذ لهم متطلباتهم الخاصة المرتبطة بطبيعة حياتهم، كأن يصنعون قهوتهم بأنفسهم على طريقتهم، وما على صاحب النزل إلا توفير المكان للإيواء من لحف وبسط وغير ذلك، والحفاظ على نظافة وتأمين المتطلبات من ماء وحطب وعمل الخبز".
وتابع "ومن النزل ما يوفر الإيواء لخيول أو ركائب الزوار، وكانت معظم أحياء مدينة أبها الكبيرة لا تخل من أكثر من نزل، والأحياء الراقية توجد فيها النزل الراقية، وهذه الميزة الحضارية تتميز بها أبها، ولا تجد لها مثيلا في أية مدينة سعودية، بما في ذلك العاصمة الرياض، التي لم يكن بها في مطلع الخمسينيات الميلادية ولا فندق واحد، ولكن البديل كان إقامة الدولة نزلا كبرى للضيافة، أهمها قصر ثليم الذي يعد أكبر قصر ضيافة في الجزيرة العربية كلها".
وختم بقوله إن مثل هذه المعلومات جديرة بالدراسة والبحث من قبل الدارسين والمهتمين بقضايا السياحة وتاريخها قديما، ولاسيما نحن نحتفل بأبها عاصمة للسياحة العربية.