البطالة .. ووزارة العمل
أعلنت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أخيرا برنامجا لتوطين قطاعات متعددة تدريجيا، منها قطاعات مثل التعليم، الصحة، التأمين، التجزئة، السياحة والنقل، وتهدف من خلالها لحل مشكلة البطالة "جزئيا"، التي بدأت تتفاقم بشكل تدريجي، إضافة إلى كثير من الأهداف التي ستتحقق مع هذا البرنامج. وقبل أن أذكر الحلول والمستقبل لها، سأتطرق لموضوع البطالة كمفهوم وآثارها وأهميتها.
قبل تحديد حجم البطالة يجب تحديد ما يعرف بقوة العمل وهي - حسب تعريف الهيئة العامة للإحصاء - الأفراد الذين يبلغون 15 عاما فما فوق ولديهم القدرة والاستعداد للمساهمة في إنتاج السلع والخدمات خلال فترة المسح. لذلك سيتم تلقائيا استبعاد من هم دون 15 عاما ومن ليست لديهم القدرة أو الرغبة في العمل سواء لكبر السن أو أنهم تقاعدوا أو لأي سبب آخر. بعد تحديد شريحة قوة العمل يتم فرز من يعمل ومن لا يعمل وبهذا يتم تحديد العاطلين من هذه الشريحة.
حسب بيانات الهيئة تبلغ القوة العاملة (سعوديون وغيرهم) 13.2 مليون فرد يبلغ الأجانب 7.5 مليون، بينما تبلغ قوة العمل (سعوديون) 5.7 مليون وهم يمثلون 42 في المائة من الشريحة (الأفراد الذين يبلغون 15 عاما فما فوق)، ويبلغ عدد المشتغلين خمسة ملايين وبالتالي عدد العاطلين في حدود 700 ألف فرد. من الملاحظ أن نسبة قوة العمل إلى إجمالي عدد السكان الذين يبلغون 15 عاما وما فوق قليلة، حيث يبلغ عدد الذين لا يرغبون في العمل أو غير القادرين 58 في المائة وعددهم 7.8 مليون فرد وهو رقم كبير جدا. نعم هنالك نساء لا يرغبن في العمل، ومتقاعدون وكبار سن وأطفال وطلاب. لكن هل فعلا يبلغون هذا الرقم؟
بلا شك البطالة تعتبر مؤشرا مهما جدا في الاقتصاد وهي دليل على تعافي أو تدهور الاقتصاد لكن لكي يتم الحكم في البطالة والاقتصاد من هذا المنظور يجب أولا فهم أسباب وأنواع البطالة الموجودة في أي اقتصاد، حيث إنها قد لا تعكس بالضرورة الحالة الاقتصادية بشكل عام، وهذا ينطبق على الوضع لدينا في السعودية، حيث إن تحليل البطالة يجب أن يستوعب كل الأسباب التي جعلت هناك سعوديين لا يجدون عملا أو لا يعملون. بالرجوع إلى الأرقام أعلاه وفيها رقم لقوة العمل العاملة نجد أن هناك 7.5 مليون وظيفة يشغلها أجنبي وهذا يعني نظريا أن بالإمكان إحلال عدد العاطلين نحو 700 ألف فرد بدل نظيرهم الأجنبي، وبذلك يتم التخلص منها في الوقت الحالي. لكن عمليا هناك كثير من الوظائف لا تتناسب مع طموح أو رغبة العاطلين أو لصعوبة إحلالهم مباشرة في قطاعات معينة، لذلك أقرت وزارة العمل بعد دراستها عدة قطاعات، توطين بعض القطاعات التي تناسب الباحثين عن عمل، حيث إنها لا تتطلب خبرات من الصعب الحصول عليها ولا تتطلب درجات عالية من التعليم بل على العكس سيكون لعمل السعودي "الجاد" فيها ميزة وتحسين للعمل نفسه. وتجربة الوزارة مع قطاع الاتصالات كانت ممتازة لكن تخللتها مشكلات وأخطاء وهذا طبيعي جدا ومتوقع، منها عدم الاستعداد الكافي لتوفير السعوديين في الصيانة وعدم التحكم في الإمداد من سوق الجملة، حيث ما زالت العمالة الأجنبية تسيطر على أجزاء منها لكن كلها مع الإصرار والعزيمة ستعالج نفسها بنفسها.
إن قطاع مثل التجزئة كبير جدا وفي أغلب دول العالم يعتبر من أكبر المشغلين للوظائف لكن وجود ظاهرة التستر وتكتل جنسيات معينة في بعض القطاعات يصعبان المهمة على السعودي للدخول والمنافسة وهو أمر تعيه الدولة، ولذلك لن تتم «فكفكة» هذه التكتلات إلا بتدخل الدولة وفرض القوانين والإشراف المباشر بالتفتيش وغيره للتأكد من «حلحلة» هذه القوى ، سواء في قطاع التجزئة أو غيره، التي تراكمت وتضخمت عبر السنين.
إذن جزء من مشكلة البطالة هو سيطرة الأجانب على أنشطة اقتصادية ومقاومتهم دخول السعودي إليها، لكن ليست هي السبب الوحيد، هناك مشكلة "الموروث الاجتماعي" لدى شريحة من العاطلين في منظورهم للعمل وما يتوقعونه، حيث يعتقد البعض أن الوظيفة أو العمل كخيار أول هو العمل لدى الحكومة، وهو مفهوم خاطئ ولا بد من تصحيحه، حيث إن الوضع الطبيعي أن القطاع الخاص هو الموظف الأول في الاقتصاد بسبب الكفاءة والإنتاجية، ويكفي كشاهد لهذا معدلات البطالة المقننة والإنتاجية المتدنية لدى شريحة كبيرة من الموظفين، ما ساعد على انتشار ثقافة العمل السهل وغير المنتج الأمر الذي أثر سلبا في سمعة الموظف السعودي وثقافة ومفهوم العمل لديه. وبالعودة إلى جيل ليس بالقديم نجد أن في بدايات نشوء الدولة كان جميع من في المجتمع يعمل وفي أي مهنة من عامل البناء إلى الوزير ولم يوجد لديهم أي مفهوم للعيب أو البطالة، ولم يكن في حينها وجود للأجنبي إلا بشكل بسيط وفي تخصصات ومهن عالية بسبب عدم وجود السعودي المناسب لها، لكن اليوم انعكس الحال تقريبا فلا يشغل السعودي هذه الوظائف، حيث أصبح ما كان يعمله جده عيبا. وأرجو ألا يفهم من كلامي أنني ألقي اللوم على الشباب طبعا لا، هناك شباب تجاوزوا هذه الأفكار واقتحموا مجالات كانت غير مرغوبة وأبدعوا فيها بل حققوا نجاحات ودخلا ماديا أعلى بكثير ممن التحق بوظيفة وفي النهاية أصبح هو يوظف غيره من السعوديين.
في الختام هناك الكثير مما يقال في موضوع العمل والبطالة، ولحل ذلك يجب أن تعمل كل الأطراف بداية من الحكومة " ممثلة بالتعليم والتمويل والنظام والتشريعات والرقابة" والقطاع الخاص والفرد على فهم التحديات لدى كل طرف، والأهم التغيرات الاقتصادية ومتطلبات سوق العمل ليتوافق الطلب في الاقتصاد مع العرض في سوق العمل، هنالك فرص وهناك عزم على حل هذه المشكلة من قبل الدولة. وكما صرح ولي ولي العهد، هناك إعلان في نهاية السنة عن حزمة من المشاريع الضخمة والتحفيزية للاقتصاد التي إن تم عملها بمثل أو أحسن مما حدث مع هيئة الجبيل وينبع وتأسيس شركات البتروكيمكال مثل "سابك"، فمن دون أدنى شك، ستنشأ آلاف الوظائف المباشرة وأضعافها من الوظائف غير المباشرة لإيجاد فرص للشباب والشابات السعوديين الحاليين أو حتى في المستقبل، حيث لدينا طوابير كبيرة من الخريجين يقدرون بنحو 136 ألف خريج جامعي سنويا و360 ألفا من الثانوي بمجمل يقارب 500 ألف فرد ينضمون إلى قائمة طالبي العمل سنويا، ويجب التخطيط والعمل لاستيعابهم من الآن قبل تفاقم الوضع.