رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لا للتشاؤم

تنتشر حالة من التشاؤم حول الأوضاع المستقبلية في كثير من بلدان العالم، خصوصا في الدول المتقدمة. ويقدر عديد من الاستطلاعات أن نسبة كبيرة من الناس يتوقعون أن الأوضاع الاقتصادية المستقبلية لأبنائهم ستكون أكثر سوءا من أوضاع الآباء الحالية. ويشعر كثير من سكان منطقتنا بتشاؤم أكبر تجاه الأوضاع الاقتصادية وأنها ستتدهور أكثر، خصوصا بعد القلاقل الأمنية وتراجع أسعار النفط الحاد خلال العامين الماضيين، الذي نتج عنه تراجع إيرادات معظم دول المنطقة. وقاد هذا التراجع إلى انخفاض واضح في متوسطات أجور ودخول الأسر الحقيقية، وزيادة في أسعار منتجات الطاقة، وخفض كبير في الدعم المقدم لكثير من السلع والخدمات، وتناقص في فرص العمل، وزيادة في معدلات البطالة.
يرجع بعض المحللين ميل البشر عموما للشعور بالتشاؤم لخوف الناس الفطري من المستقبل وتأثرهم بالأخبار السيئة أكثر من الجيدة، حيث تركز وتضخم وسائل الإعلام بمختلف أنواعها، خصوصا وسائل التواصل الاجتماعي على الأخبار السيئة التي تحدث فجأة، وتميل في الوقت نفسه إلى التغاضي عن التطورات الكثيرة والإيجابية التي يتصف الكثير منها بالبطء. إضافة إلى ذلك يروج بعض الناس ونسبة كبيرة من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لكم وافر من المعلومات المغلوطة بقصد وبغير قصد، ما ينتج عنه زيادة في حالة التشاؤم حول الأوضاع الاقتصادية والمالية. كما وجدت الدراسات أن سكان أي محيط جغرافي يميلون للتشاؤم حول الأوضاع الكلية على المستويين القومي والعالمي بدرجة أكبر من أوضاعهم المحلية، لتوافر درجة أكبر من المعلومات عن بيئتهم المحلية. وعموما يميل الإنسان إلى التشاؤم حيال التطورات العامة أكثر من الخاصة، لأن لديه قدرة أكبر على التأثير في التطورات الخاصة، بينما لا تجدي مساعيه في تغيير مجريات الأحداث العامة.
يؤثر التشاؤم سلبا في نفسية الإنسان، ما ينعكس على تصرفاته الاقتصادية، حيث يقود إلى خفض الأسر والشركات لتوقعات مستويات الاستهلاك، الذي يتسبب في خفض حجم الاستثمار وزيادة  الاكتناز. تدفع زيادات مستويات الادخار إلى خفض العائد على رأس المال بما في ذلك معدلات الفائدة بسبب ارتفاع مخاطر الاستثمار، ما يخفض مستويات الاستثمار في الأصول. وأدى التشاؤم الحاد وفقدان الثقة بالمؤسسات المالية أثناء الأزمة المالية العالمية إلى تراجع حاد في أسعار الأصول وانخفاض معدلات الفائدة على السندات الأمريكية إلى نحو الصفر، وذلك لأن معظم المستثمرين كانوا متشائمين حول الأوضاع الاقتصادية ويبحثون عن الأمان. يتسبب التشاؤم إذا كان قويا في تراجع الناتج المحلي وقيم الأصول، الذي يقود بدوره إلى مزيد من التشاؤم ما لم تقم السلطات المالية والنقدية بتبني سياسات إعادة الثقة بالأوضاع الاقتصادية وأهمها التحفيز المالي والنقدي وطمأنة الأسواق والأسر والتصدي للفساد والتضليل.
في المقابل وجد عديد من الدراسات أن التفاؤل أفضل للنشاط الاقتصادي حتى لو كانت هناك مؤشرات تبعث على التشاؤم. حيث يقود التفاؤل حول الأوضاع الاقتصادية إلى استمرار الأسر والشركات في تعزيز مستويات الاستهلاك والاستثمار، ما يحفز النمو الاقتصادي ويولد الوظائف. أما بالنسبة للأفراد فقد وجد عديد من الدراسات أن الناس المتفائلين يعملون بجد أكثر ويكسبون أجورا أعلى ويتفوقون في حياتهم أكثر من المتشائمين على الأمد الطويل، حيث يميل المتفائلون لتحمل مخاطر أعلى من المتشائمين، ما يدر عليهم عوائد أعلى. كما أن التفاؤل جيد حتى لصحة الإنسان، حيث يعمر المتفائلون أطول من المتشائمين. أما بالنسبة للشركات فإن المديرين المتفائلين ينفقون أكثر على الأبحاث والتطوير والاستثمار والتوظيف ويحققون أرباحا أعلى. وعموما يميل المتفائلون للتقليل من المصاعب والعقبات التي ستواجههم، ولكنهم يبذلون جهودا أكبر للتغلب عليها. وقد وجد أن بث التفاؤل لدى الأطفال والصغار يحفزهم أكثر على كسب المهارات والتعلم والعمل الجاد، وهذا وحده كاف لأن نكون متفائلين ونبث التفاؤل في أبنائنا.
قد يقول البعض إن التطورات السلبية التي حدثت أخيرا في منطقتنا كثيرة وتدعو إلى التشاؤم، وعلى هؤلاء ألا يتسرعوا في الحكم على مستقبل المنطقة من خلال أحداث السنوات القليلة الماضية، حيث شهد تاريخ المنطقة الحديث تقلبات قد تكون حادة في بعض الأحيان، ولكن على الأمد الطويل حدث تحسن كبير في الأحوال الاقتصادية، وذلك من خلال ارتفاع معدلات الدخول، ومعدلات الأعمار، والتنمية الاجتماعية والبشرية، خصوصا في المجالات التعليمية والصحية، ومشاريع البنية الأساسية، والتطورات التقنية. وعموما فإن التفاؤل مهما كانت الظروف أفضل من التشاؤم لأنه في المقام الأول مطلوب شرعا؛ فعلى المؤمن عدم القنوط من رحمة الله فالمستقبل بيده سبحانه، كما أنه يساعد البلاد والعباد في النهوض بأوضاعهم. على أن هذا لا يمنع من نقد السياسات التي قد تكون مصدرا للتشاؤم، وبيان ودعم السياسات المحفزة على التفاؤل والتطورات الاقتصادية الإيجابية خصوصا الداعمة للنمو الاقتصادي، والشفافية، والعدالة، والحوكمة في كل المجالات، ونشر الإيجابيات الاقتصادية الحقيقية وليست المزيفة، وتجنب تضخيم السلبيات التي تدفع الناس للتشاؤم وتنكد عليهم معيشتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي