رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


«النطاق الزمني» للمعاملات .. وتنمية القطاع الخاص

مستثمر في القطاع العقاري يقول: إن معاناتنا كعقاريين خصوصا المطورين مريرة مع أمانات المدن وكتابات العدل وهيئات التطوير ووزارة التجارة والدفاع المدني لسبب بسيط وهو عدم وجود نطاق زمني للإجراءات النظامية التي هي الأخرى تحتمل تفسيرات عدة تستند بشكل كبير إلى معرفة وميول ومواقف وثقافة الموظف المسؤول ومن يرأسهم من الموظفين الذين يعدون ويرفعون التقارير له، وبالتالي فإن معاملات التراخيص بكل أنواعها وصورها، ومعاملات تحرير وإصدار الصكوك، ومعاملات التسلّم والتسليم، ومعاملات نقل الملكيات إلى غير ذلك من المعاملات معروف تاريخ البدء إلا أن تاريخ الانتهاء غير معروف ومفتوح وقد يمتد لشهور أو لسنوات وأحيانا لعقود.
ويضيف أن تعسف الموظف المسؤول في الإجراءات، أو خوفه من التوقيع على الموافقات والتراخيص وإن كان ذلك من صلاحياته لعدم ثقته بقدراته أو خوفا من الوقوع في الخطأ أو التشكيك فيه من موظفين متربصين به ومن ثم المساءلة من مسؤوليه، يترتب عليه تأخير المشاريع وتحميل المطورين خسارة مالية كبرى لا يترتب على الموظفين المتسببين فيها أي عقاب مع العلم أن الخسائر ليست خسائر مالية فقط بل عادة ما تتزامن مع خسائر هائلة في الوقت، والمال، والجهد، والموارد البشرية، والسمعة، والقيمة السوقية للشركة في المحصلة.
وعندما سألته بشأن نوعية الخسائر المالية قال إن موظفي الأجهزة الحكومية المنظمة والتنفيذية لا يشعرون بها ولا يدركون حجمها وهي متنوعة وقد تصل للمليارات من الريالات أحيانا وتتمثل في ضياع فرص استثمارية مجزية، وتكاليف المستشارين والمحامين والمعقبين، وتكاليف التمويل التي تزداد بمرور سنوات المشروع المتزايدة بسبب تأخر الإجراءات، إضافة إلى التكاليف التشغيلية غير المباشرة التي تحمل على المشاريع المتأخرة ومن ذلك رواتب الموظفين والاستشاريين العاملين على المشروع مباشرة أو الداعمين لهم، أما تكاليف السمعة فلا تقدر بثمن حيث تتأثر السمعة سلبا بتوقف أو تأخر تنفيذ المشاريع المعلنة بسبب طول الإجراءات التي لا وقت محدد لنهايتها، وتفتح الأبواب الخلفية على مصاريعها، وتكاليف الأبواب الخلفية غير معلنة وتسيء للجميع بطبيعة الحال.
قلت له ماذا بشأن التغيير المستمر والمفاجئ أحيانا في الأنظمة ذاتها؟ فقال لي لا شك أن تغيرات الأنظمة المفاجئة وغير المدروسة بشكل عميق تتسبب في خسائر مضاعفة وقد تودي بالشركات أو تقضي على أرباحها وتضعف تنافسيتها وتدفعها لتسريح كثير من موظفيها، ولكن يجب أن ندرك أن عدم وجود نطاق زمني محدد لكل أنواع المعاملات وعدم محاسبة المقصرين من الموظفين في إنهاء الإجراءات في نطاقاتها الزمنية المحددة يشكل المشكلة الكبرى التي أنهكت القطاع الخاص وحملته تكاليف كبيرة كما أسلفت سابقا.
أذكر أني التقيت أحد مفكري الإدارة ومدربا معتمدا لكثير من الدورات الإدارية وتناقشت معه حول البيروقراطية كسبب في إعاقة الأعمال، وأذكر أنه قال لي بالحرف الواحد إن البيروقراطية نظرية إدارية لإدارة الأجهزة الحكومية التي تقدم الخدمات للمواطنين والمنشآت الاقتصادية وإنه لا عيب في البيروقراطية ولكن العيب في ثقافة من يطبقها حيث يظن كثير من الموظفين أن حماية أنفسهم من الخطأ أهم من إنجاز المعاملات وتسهيل الإجراءات وخدمة المراجعين بأقصر الطرق وأيسرها، ولذلك تجدهم دائما متوجسين خيفة من المراجعين ويسعون لتعقيدهم لكشف خباياهم التي يظنونها وخصوصا أن كثيرا من الموظفين يعممون المشاكل التي قد تكون حصلت مع بعض المراجعين ويعدلون إجراءاتهم بمزيد من التعقيد لحماية أنفسهم ما يجعل الأجهزة الحكومية أدوات تعقيد أكثر من كونها أدوات تسهيل وتيسير.
أذكر كذلك أني التقيت أحد العاملين في تطوير التعاملات الحكومية الإلكترونية وقال لي إنهم يعانون عوائق عديدة لتحويل الإجراءات من التعاملات الروتينية إلى التعاملات الإلكترونية حيث يحرص الموظفون على جعل الأمور بأيديهم لا بيد النظام الإلكتروني لأن التحول للمعاملات الإلكترونية يفقدهم أهميتهم وقدرتهم على التحكم في المراجعين وتحقيق المنافع المعتادة أيا كان نوعها وإن كانت منافع نفسية، وقال إن ذلك سيجعل التحول للمعاملات الإلكترونية يأخذ وقتا أطول وبفاعلية أقل رغم المحفزات والمتابعة والتقويم، متوقعا أن التحول سيتسارع ومع وجود الإرادة السياسية الحازمة وهو ما تحقق حاليا.
وأقول إن حكومتنا الرشيدة أعلنت على لسان محمد الجدعان وزير المالية  عن برنامج تحفيز للقطاع الخاص تبلغ قيمته 200 مليار ريال ليسهم في إيجاد بيئة داعمة لنمو القطاع الخاص وزيادة الإيرادات غير النفطية باعتبار القطاع الخاص شريكا رئيسا وأساسيا لتحقيق "رؤية 2030"، وأعلنت على لسان ماجد القصبي وزير التجارة  أن الدعم المالي القوي في ميزانية المملكة للقطاع الخاص يعكس التوجه الرئيس للدولة، الذي سيتضمن أيضا "تطوير اللوائح والأنظمة والبنية التحتية، التي لا بد لها أن تكون جاذبة للقطاع الخاص"، وأكد كذلك أن التوجهات المستقبلية تحمل معها "تحسين الإجراءات وتطوير العمل وإلغاء كثير من البيروقراطيات وتسخير التقنية لأتمتة أنظمة العمل في المملكة".
هذه التصريحات التي تشمل بعدي التمويل وتطوير الأنظمة والإجراءات تصريحات مبشرة بأننا أمام توجهات جديدة مدعومة بإرادة سياسية وخطط تنفيذية تتابع وفق مؤشرات أداء لتتضافر في تحقيق "برنامج التحول 2020" ومن ثم "رؤية المملكة 2030"، ولكني أود التأكيد أنه رغم أهمية التمويل الذي يعتبر أوكسجين القطاع الخاص في التأسيس والتوسع إلا أن الأنظمة والإجراءات المحفزة لجهة سهولتها ووضوح متطلبات إتمامها ونطاقاتها الزمنية ذات أثر أكبر من التمويل الذي يتأثر هو الآخر سلبا متى ما تعقدت هذه الإجراءات وأعاقت القطاع الخاص عن تحقيق خططه.
ختاما أتطلع إلى أن تراجع كل الأنظمة والإجراءات المتعلقة بأنشطة القطاع الخاص وخصوصا قطاع التطوير العقاري المحرك لأنشطة اقتصادية متعددة ومتنوعة ومن ثم تطويرها بأسرع وقت لتحسين بيئة الأعمال السعودية لتدعم تنافسية شركاتنا الخاصة من جهة وتجذب الاستثمارات الأجنبية المميزة من جهة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي