هل تفسر نظرية ذروة النفط الارتفاع المستمر في الأسعار؟

هل تفسر نظرية ذروة النفط الارتفاع المستمر في الأسعار؟

مع تجاوز سعر برميل النفط 90 دولارا بدأت التفسيرات تترى إذا كانت أساسيات السوق تمكن من الحفاظ على مثل هذا السعر، خاصة فيما يتعلق بوضع العرض والطلب، أم أن الأمر ليس أكثر من انعكاس للوضع الجيوسياسي والتوترات الأمنية التي تطول بعض الدول المنتجة للنفط؟
في الأسبوع الماضي أصدرت مجموعة مراقبة الطاقة الألمانية تقريرا اعتمد على دراسة قامت بها أخيرا تعد إضافة إلى نظرية ذروة النفط، إذ توصلت تلك الدراسة التي اعتمدت على ملاحظات حقلية، إلى أن حجم الإنتاج النفطي العالمي قد وصل إلى قمته العام الماضي، وهو توقيت جاء أسرع مما كان متوقعا، وتعتقد الدراسة أن يستمر حجم الإنتاج في التراجع سنويا بمعدل 7 في المائة.
وقدم هانس جوزيف فيل مؤسس المجموعة والنائب البرلماني الألماني، التقرير بالقول إن العالم سيشهد قريبا معاناة تتمثل في عدم القدرة على إنتاج ما يحتاج إليه من النفط لمقابلة الطلب المتنامي. وأشار معد التقرير جيرج شندلر أن أخطر ما كشفت عنه الدراسة أن مستوى التدهور في الإنتاج يتم بسرعة كبيرة بعد الوصول إلى مرتبة الذروة التي تم تجاوزها بالفعل.
وترى الدراسة أن حجم الإنتاج العالمي الذي بلغ 81 مليون برميل يوميا، يتوقع أن يتراجع إلى 39 مليونا بحلول عام 2030، كما تتوقع تراجعا في معدل إنتاج الغاز والفحم واليورانيوم مع تزايد استخدامات مصادر الطاقة هذه.
وتشير الدراسة إلى ما حدث في بريطانيا من تراجع لإنتاجها النفطي من بحر الشمال كمؤشر على ذلك، فقد وصل الإنتاج النفطي البريطاني إلى قمته قبل ثماني سنوات وبدأ في التراجع بعدها ليكون في حدود 1.6 مليون برميل يوميا في الوقت الحالي.
ووفقا للدراسة فإن السائد في أوساط الصناعة النفطية أن حجم الاحتياطيات المؤكدة يبلغ 1.3 تريليون برميل، يمكن أن تكفي حاجة الاستهلاك العالمي بالمعدلات الراهنة إلى فترة 42 عاما، لكن مجموعة مراقبة الطاقة ترى أن حجم الاحتياطيات الموجودة فعلا تصل إلى ثلثي ما هو مقدر فعلا.
ويرى شندلر أن العالم يمر بمرحلة تغيير هيكلي بالنسبة للوضع الاقتصادي، وهذا التغيير سينجم عن تراجع الإمدادات من مصادر الطاقة الهيدروكربونية، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيره في كل مناحي الحياة. ومن ناحية أخرى، أكد ديفيد فليمنج الخبير البريطاني في ميدان الطاقة، أن التوقعات بحدوث نقص في الإمدادات يمكن أن تؤدي تطورات واضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية مثلما شهدت بورما في الفترة الأخيرة، ويمكن أن تنتهي إلى انهيار كامل لبعض المجتمعات.
وتتناقض هذه النتائج مع تقديرات الوكالة الدولية للطاقة وبعض مراكز الأبحاث المستقلة مثل رابطة كمبيردج لدراسات الطاقة، التي ترى أن معدل الاحتياطيات القائمة وتلك التي يمكن الوصول إليها لا تبرر القلق من الوصول إلى مرحلة لا يمكن معها تلبية احتياجات المستهلكين.
ويساعد على هذا أنه وبالرغم من أن سعر البرميل وصل ولو بالمعدل الاسمي إلى مرحلة لم يبلغها من قبل، إلا أن قدرة الاقتصادات العالمية على التأقلم مع هذا السعر العالي تبدو مدهشة وتثير الانتباه. ويبدو الاقتصاد الأمريكي نموذجا جديرا بالمتابعة في هذا الصدد، كونه الأكبر حجما ويستهلك واحدا من كل أربعة براميل يستهلكها العالم يوميا.
ومع ارتفاع سعر البرميل، فإن فاتورة الاستهلاك بدأت في التصاعد. فقطاع الطيران يتوقع له أن ينفق 132 مليار دولار على وقود الطائرات هذا العام، أي نحو ثلاث مرات ونصف ما أنفقه عام 2002، كما يقدر أن حجم الإنفاق على المحروقات في هذا القطاع قد تضاعفت مرتين خلال فترة ست سنوات. وفيما يتعلق بالشاحنات أيضا، وهي جزء أساسي من قطاع النقل الذي يعتمد على الوقود الأحفوري بصورة رئيسية، فيتوقع أن تنفق على المحروقات من الديزل هذا العام 107 مليارات دولار من 45 مليارا قبل سنوات خمس فقط، وهو ما يعني أن تكلفة الوقود تلتهم قرابة ضعفي الدخل.
ومن ناحية أخرى، فإن الاقتصاد الأمريكي، وعلى عكس ما شهدته فترتي السبعينيات والثمانينيات لم يدخل حتى الآن في فترة من التضخم والضعف الاقتصادي، وهو ما يشير من ناحية إلى أنه أصبح أقل حساسية تجاه المتغيرات السعرية. ويعود ذلك إلى سببين رئيسيين: أولهما أن معظم الوحدات الاقتصادية أصبحت أكثر فاعلية في استخداماتها للطاقة، كما أن قطاع الخدمات، خاصة الاتصالات، أصبحت هي أكبر محرك لعجلة الاقتصاد وهي أقل استخداما للطاقة الأحفورية مقارنة بقطاعات الإنشاءات والتصنيع التي تعتمد على إمدادات الطاقة التقليدية للنمو.
ويشير بعض المحللين إلى أنهم لا يتوقعون أن تعود الأسعار إلى المعدلات التي كانت عليها قبل خمس سنوات مثلا، لكن وبسبب كبر الاقتصاد الأمريكي، فإنه وفي حال حدوث تباطؤ فيه، فإنه ذلك سينعكس على بقية العالم وعلى السوق النفطية، وذلك لأنها تشكل ربع حجم ذلك السوق، بينما الصين مثلا ورغم أنها ثاني مستورد للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة إلا أن حصتها في السوق لا تتجاوز 9 في المائة، الأمر الذي يجعل تأثيرها محدودا بصورة ما مقارنة بما يمكن أن تحدثه الولايات المتحدة.

الأكثر قراءة