"أعضاء الشورى" والمعالجة العاطفية
ما يحسب للدكتور عبد الرحمن الزامل نشاطه الفكري ومشاركاته الفاعلة في صناعة الفكر والرأي والقرار، وما يحسب له أيضا أنه رجل ذو خبرة وذو ذوق حواري راق، وكنت على ثقة تامة أنه سيرد على تساؤلاتي التي لا أهدف من ورائها إلا إلى ما يهدف إليه الدكتور الزامل، حيث نشترك في هم واحد يتمثل في تحقيق الأهداف التنموية الشاملة والمستدامة في بلادنا، والتنمية المستدامة وللتذكير فقط تعني "أن تفي الأنشطة الاقتصادية باحتياجات الجيل الحالي، دون التضحية بقدرة الأجيال المقبلة على الوفاء باحتياجاتها".
إذن نحن نريد جميعا أن تفي الأنشطة الاقتصادية باحتياجات الجيل الحالي دون التضحية بقدرة الأجيال المقبلة وباحتياجاتها، هذا من ناحية، كما نريد أن نفي باحتياجات الجيل الحالي من خلال مدخلات وأنشطة ومخرجات اقتصادية ذات آثار إيجابية موازية من ناحية أخرى، وأنتم خير من يعلم أن هناك الكثير من المدخلات والأنشطة والمخرجات الاقتصادية وإن بدا لنا من الوهلة الأولى أنها ذات آثار إيجابية موازية إلا أنها ذات آثار سلبية كارثية على المديين المتوسط والقريب وتجارب الدول الأخرى تثبت ذلك.
أخي الدكتور عبد الرحمن الزامل أنا مواطن سعودي وأنت كذلك وكلنا نستشعر مشاكل ومواجع الشعب السعودي ونقترح على حكومتنا الرشيدة التي تسعى جاهدة لتطبيق أفضل وأسرع وأنجع الحلول لرفع مستوى معيشة المواطن السعودي، ولقد حققت نجاحات كبيرة ومتواترة في هذا المجال، ولكن المشاكل لا تنتهي، وهذه سنة الحياة، والحلول الناجعة كذلك لا نعدمها إذا خلصت النوايا وتعاضدت الأيدي وتكاملت الجهود بعد تحليل علمي وتشخيص سليم وعلاجات ناجعة مجربة أو ابتكارية.
وأحمد الله أننا متفقون على ضرورة تعزيز وتفعيل قوى السوق لتوفير السلع والخدمات عالية الجودة والمتناولة في الوقت المناسب، وأحمد الله أيضا على أننا متفقون على أن الخصخصة الاستراتيجية المناسبة لتفعيل قوى السوق، وبقي أننا نختلف في مسألة عدم فاعلية القطاع الخاص لتوفير المساكن الملائمة للطبقة الفقيرة من المجتمع السعودي بما يتناسب وإمكانياتهم في الوقت المناسب من العمر، وأن الحكومة عليها أن تلعب دور الممول والمطور للوحدات الإسكانية الملائمة لتلك الفئة لقدرتها المالية والإنتاجية في الوقت المناسب، وأنها قادرة على ذلك بشكل مستدام بما يغطي الطلبات كافة.
وللرد على ما طرحتموه في ردكم أقول إن الحكومة إذا قامت بما تريدونه فإننا لن نحصل على ما نريد في الوقت المناسب، فالحكومة لن تستطيع تمويل 120 ألف مسكن سنويا مهما كانت قدراتها المالية حسب الآلية المتبعة حاليا من خلال بنك التنمية العقاري، كما لن تستطيع تطوير هذا الكم من المساكن أو جزء يسير منها في الوقت المناسب، فالمعروف أن يوم الحكومة بسنة وريالها بمائة، ولقد أثبتت عدم قدرتها على تطوير 20 ألف وحدة سكنية لأصحاب الدخول المتدنية، حيث خصصت المبالغ اللازمة لتطوير تلك الكمية منذ عام 2005م وما زالت لم ترس العقود على المقاولين والمسألة في أخذ ورد ومن المتوقع في أحسن الأحوال أن يتم إنتاجها في عام 2012 م أي خلال سبع سنوات ميلادية تراكمت خلالها الطلبات وارتفعت أثناءها الأسعار أضعافا مضاعفة حتى أصبح المبلغ المخصص لا يكفي تطوير تلك الكمية من المساكن.
ولو تم تطويرها ووزعت على أبناء المجتمع من الطبقة الفقيرة – وأنا لا أود أن يكون ذلك بهذه الطريقة ـ لوصلنا إلى بؤر فقر وفساد وجريمة وانحطاط اجتماعي، كما حصل في الدول الأخرى التي مرت بالتجربة نفسها والتي دفعت المليارات للقضاء على تلك الأحياء المصنفة التي انهارت فيها القيم والمفاهيم وساد في نفسيات ساكنيها الإحباط نتيجة العزل الاجتماعي عن بقية طبقات المجتمع خصوصا الطبقة المتوسطة التي تشكل البيئة الخصبة للقيم السامية والمفاهيم السليمة.
إذن مدخلات هذا الحل غير مستدامة، وأنشطة هذا الحل غير ممكنة ولا يمكن للحكومة القيام بها في الوقت المناسب، ومنتجات هذا الحل أيضا كارثية على المديين المتوسط والبعيد، أما الآثار الموازية فحدث ولا حرج، تدمير لقوى السوق الإسكانية بدل تحفيزها وهو ما يعني السير بتكتيكات عكس المسار الاستراتيجي وهو الخصخصة، وإذا كان الوضع كذلك فكيف لنا أن نطالب الحكومة ببناء 700 ألف مسكن بمبلغ لا يقل عن 300 مليار ريال للمواطنين الفقراء الذين يعيشون على رواتب الضمان الاجتماعي والبالغ عددهم ثلاثة ملايين فرد لنجعل منهم مشروع ثلاثة ملايين شخص يعيشون موصومين بالفقر ومعزولين عن المجتمع الطبيعي.
حل المشكلة الإسكانية يا أستاذي الفاضل يكون بفصل طبقات المجتمع إلى ثلاث وفق معايير معتمدة نتفق عليها، الطبقة الغنية وهذه قادرة على توفير المساكن الملائمة لوضعها دون الحاجة إلى مساعدة من الحكومة، والطبقة المتوسطة (العليا، المتوسطة، الدنيا)، وهذه علينا أن نمكن أفرادها من شراء المسكن الملائم بضمان دخولهم الشهرية وبضمان المسكن عالي الجودة متعاظم القيمة، والطبقة الفقيرة وهذه علينا أن تدعمها الحكومة من خلال برامج دعم مالي ومعنوي لتشتري المسكن الملائم ضمن الأحياء المتنوعة الطبقات بعيدا عن العزل ذي العواقب الوخيمة.
ولا شك أن الحكومة تستطيع أن تحرك قوى السوق وتعززها من خلال تحفيز ودعم شركات التطوير العقاري القادرة على تطوير كميات كبيرة ومتنوعة تناسب جميع القدرات الشرائية المدعومة وغير المدعومة من خلال تطوير منظومة التشريعات وتسهيل الإجراءات التي تستمر حاليا لأكثر من سنة في أمانات المدن والدفاع المدني وغيرها، ومن خلال دعمها ماليا بقروض ميسرة وطويلة الأجل ودون فوائد، فالقطاع الخاص هو الأكفأ والأقدر على الإنتاج وهو الأقدر على التكامل لتطوير المساكن بدورات مالية متتالية بعيدا عن موازنة الحكومة وهنا تتحقق الاستدامة.
وهذا الحل سيحقق عدة فوائد أولها أن الفقراء سيجدون المساكن المناسبة دون عزل اجتماعي، كما أن قوى السوق ستصبح أكثر فاعلية وهو ما يؤدي إلى نمو السوق الإسكانية وزيادة الشركات المطورة والممولة، كما سينتعش الاقتصاد لانتعاش القطاع العقاري الأكبر القادر على تحريك بقية القطاعات الأخرى ويوفر فرصا وظيفية لا حصر لها، وهنا كفينا الحكومة مشاكل التطوير والتمويل لتتفرغ للتنظيم والحماية، وحققنا السرعة والجودة وعززنا اقتصاديات البلاد للمزيد من النمو والازدهار المستدام.
وختاما لا يفوتني أن شركات التمويل الإسكاني التي بدأت نشاطها قبل أسابيع قليلة أوضحت أنها ستوفر منتجات تمويلية تناسب أصحاب الدخول المحدودة والتي تصل إلى نحو أربعة آلاف ريال، وكلنا ثقة أن الحكومة ستوفر المحفزات للقطاع الخاص ليوفر لهؤلاء المساكن الميسرة في أحياء سكنية تتداخل فيها مساكن جميع الطبقات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا العزيزة.