رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إعادة الثقة للمستهلكين

يلعب الاستهلاك دورا حيويا في الاقتصاد، حيث يشكل معظم الإنفاق الكلي، ويرفع نموه الطلب على السلع والخدمات معززا الدخل ومولدا لفرص التوظيف، كما تسهم تغيرات الاستهلاك بصورة غير مباشرة في النشاط الاقتصادي من خلال التأثير على أنشطة الاستثمار. وتولي المؤسسات الحكومية والإنتاجية والمصرفية الرشيدة كثيرا من الاهتمام لمؤشرات وبيانات الاستهلاك، التي من ضمنها المتعلق بثقة المستهلكين. يقيس مؤشر ثقة المستهلكين درجة تفاؤل المستهلكين بالأوضاع الاقتصادية وشعورهم حيال قدراتهم وأحوالهم المالية الحالية والمستقبلية. وتتركز تساؤلات مسوحات المؤشر على وجهات نظر الأسر حول أنشطة الأعمال والتوظيف والتمويل والدخول الجارية والمستقبلية. ويتم اختيار سنة محايدة (أي ليس فيها طفرة اقتصادية أو تراجع اقتصادي) كسنة أساس وتعطى قيمة 100. وجد في كثير من الدول أن قيم المؤشر تترابط مع خطط المستهلكين للإنفاق والادخار، فكلما زادت ثقة المستهلكين زاد تفاؤلهم، وارتفعت معدلات الإنفاق الحالية والمستقبلية، وقلت معدلات الاكتناز، ما يدعم مسيرة النمو الاقتصادي. في المقابل ترتفع معدلات الاكتناز على حساب الاستهلاك عند تراجع ثقة المستهلكين، وازدياد تخوفهم بشأن الأحوال الاقتصادية مثبطا بذلك النشاط الاقتصادي.
يحاول المنتجون والممولون وصناع القرار الاستفادة من مؤشر ثقة المستهلكين، حيث يتم التغاضي عن التغيرات المحدودة في المؤشر، بينما تعير التغيرات الكبيرة كثيرا من الاهتمام بسبب ترجيحها حدوث تغيرات في اتجاه ومسيرة الاقتصاد. يشير التراجع الكبير في المؤشر إلى ارتفاع إمكانية انخفاض حجم طلب المستهلكين الحالي والمستقبلي على السلع المعمرة كالأجهزة والسيارات والعقار، بينما يقود التغير الإيجابي الكبير إلى تحسن الطلب. يخفض تراجع المؤشر توقعات مبيعات الكثير من السلع المعمرة والعقارات والخدمات المرتبطة، ما يؤثر سلباً في مستويات وخطط التوسع في إنتاج السلع والخدمات ويقود إلى خفض المخزونات والاستثمارات والتمويل. على العموم، يؤدي انخفاض مستويات الاستهلاك والاستثمار أو معدلات نمويهما إلى تباطؤ أو ركود اقتصادي، ما يرفع معدلات البطالة.
تشير بعض المصادر إلى حدوث تراجع في مؤشر ثقة المستهلكين، حيث بلغ نحو 100 في الربع الثالث من 2016، ومع أن هذا المستوى ليس سيئا، إلا أنه متراجع بنحو تسع نقاط خلال عام. وتشير التوقعات إلى استمرار تراجعه إلى أقل من 100 في الوقت الحالي بسبب النظرة السلبية للمستهلكين تجاه الاقتصاد. وترجح عدة مؤشرات مالية تراجع ثقة المستهلكين، فقد انخفض إجمالي قيم عمليات نقاط البيع بنسبة 4.7 في المائة خلال العام الماضي، وذلك من 191.6 مليار ريال في عام 2015 إلى 182.6 مليار ريال في عام 2016، على الرغم من الزيادة الكبيرة في عدد عمليات البيع وعدد أجهزة نقاط البيع البالغة 22.5 في المائة لكل منهما. كما انخفض إجمالي السحوبات النقدية من المصارف وأجهزة الصرف الآلي بنحو 3 في المائة من نحو 776.7 مليار ريال في عام 2015 إلى نحو 753.7 مليار ريال في عام 2016. أما بالنسبة لمعدل نمو إجمالي الائتمان المصرفي للقطاع الخاص فقد تراجع إلى نحو 2.4 في المائة، بعدما كان في العامين السابقين نحو 9.2 في المائة، و11.8 في المائة على التوالي. من ناحية أخرى تسبب تراجع ثقة المستهلكين في عام 2016 في إحجام الأسر عن الإنفاق، ما يفسر جزءا كبيرا من تراجع الواردات خلال عام 2016، كما أسهم في تخفيف الضغط على الأسعار وخفض أسعار العقار.
إذا حدث تراجع كبير في ثقة المستهلكين فيترتب على صانعي السياسات العامة التنبه للتأثيرات السلبية لثقة المستهلكين في النمو الاقتصادي، والتصدي لهذه التأثيرات السلبية من خلال النظر في السياسات المالية والنقدية، ومحاولة تيسير هذه السياسات قدر الإمكان في حالة الأوضاع الاقتصادية المعتادة، والتوقف- أو على الأقل تخفيف- إجراءات التشدد المالي المتمثلة في خفض الإنفاق، ورفع الرسوم والضرائب، وخفض الدعم والتحويلات والإعانات والخصوم الضريبية عند تراجع النشاط الاقتصادي. يبث التيسير المالي والنقدي الروح الإيجابية لدى الأسر بأن الأوضاع المستقبلية ستكون أفضل ويدفعها للإنفاق، ما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والخروج من ركود أو تباطؤ الناتج المحلي، أما السياسات المالية والنقدية المتشددة فتقود عند تراجع ثقة المستهلكين إلى تعميق التباطؤ الاقتصادي وانخفاض الناتج.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي