فقه السؤال

فقه  السؤال

ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا) فقال: رجل أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه).
وعند قراءة هذه الكلمات من كلام صاحب الرسالة نرى فيها قصدا إلى تعظيم مقام الاتباع لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعيدا عما قد تستدعيه النفس من الأسئلة التي لم يأت الشارع باستدعائها، والله تعالى يقول: ?يأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم?. الآية.
وهذا المقام المذكور في الآية والحديث وإن كان قدر منه مختصا بزمن التشريع وصاحب الرسالة إلا أن قدراً منه أدب ومنهج للمؤمنين بعد ذلك، وأنت ترى أن مقام العبادات لم يحطه الشارع بذكر مفصل من التعليل وبيان الحِكَم في سائر الموارد بل يقع تنبيه على الحكمة تارة ويقع الإجمال أخرى مع أنه من المتحقق أن أحكام الشارع مبنية على الحكمة التي تذكر مقترنة تارة ومنفكة تارة في موارد الحكم التي جاءت في النصوص، ولذا كان مما ينبغي التنبيه عليه أن الأصل في باب العبادات هو التعبد دون لزوم العلم بتمام المعاني والحِكَم على وجه من تعليق التعبد والامتثال بإدراكها، إذ التعمق في تحصيل العلل في هذا الباب على وجه من تسلسل الأسئلة موجب لكثير من الغلط ، فإن العقل بمفرده لا يستقل بإدراك معاني العبادات، ومن هنا ترى أن الله عز وجل بسط مقام العذر في حق من لم تبلغه الرسالة فقال سبحانه: ?وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا?، وقال: ?رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون على الناس حجة بعد الرسل?.
وكان من تمام فقه السابقين من أئمة الإسلام الحرص على مقام الاتباع في هذا الباب، وهذا بيِّنٌ في كثير مما ذكروه من فروع العبادات وعنايتهم بالكلمات الشرعية على قدر من فاضل الفقه استعملوه في فقه أدلة الشريعة ومقاصدها، وهذا ترى له سطرا في كتب القواعد والأصول والتطبيقات الفقهية في كتب المذاهب المختصة والمقارنة، والله الهادي.

الأكثر قراءة