بعد ثمانٍ عجاف .. ترمب يضع حدا لإرهاب إيران وأكاذيب الاعتدال
إيران، والإرهاب بشتى صوره، الميليشاوية والداعشية، وجهان لدمار واحد، حاولت الإدارة السابقة للبيت الأبيض تجميله والفصل بينهما بحجة وجود جناحين متصارعين في طهران، أحدهما معتدل إصلاحي يحتاج المساندة فقط، ضد آخر متشدد. وقد تزامنت هذه الأمنيات الدبلوماسية برعاية الثنائي جون كيري وزير الخارجية السابق والرئيس أوباما، ورغبات رأسمالية جامحة لدى شركات متعددة الجنسيات، أمريكية وأوروبية المنشأ، تشدد على ضرورة استغلال أسواق طهران المغلقة في وجه المسوّق الغربي وفتحها على مصراعيها، في ظل تراجع وتيرة الإنتاج العالمي وضعف الاستهلاك، معولة ومروجة في الوقت ذاته لتغير اجتماعي تدريجي يطرأ على الداخل الإيراني بفعل الانفتاح الاقتصادي المتوقع، فكان الاتفاق النووي والرفع الجزئي للعقوبات.
ولكن كل الدلائل والمؤشرات المتعاقبة منذ رفع العقوبات وإقرار الاتفاق النووي بين مجموعة خمسة زائد واحد وطهران تشير إلى العكس تماما. فبينما يظهر جناح "الاعتدال" المتمثل في الرئيس روحاني ووزير خارجيته ظريف كأدوات إعلامية لا يتجاوز تأثيرها حدود التصريحات والقفشات والمقالات الرنانة التي يحفل بها الإعلام الغربي والأمريكي أكثر من غيره، تشتد في المقابل قبضة حرس الثورة، الممول الرئيسي لجماعات الإرهاب وميليشياته، داخل إيران وخارجها، بفعل المال المحتكَر وبقوة الاستبداد المتأصل عقائديا والمتواصل سياسيا.
اليوم، ومع تغير واضح في توجهات إدارة البيت الأبيض الاقتصادية، نحو مصالح الداخل الأمريكي، تنهار كثير من الرؤى التي بنت عليها الإدارة السابقة قناعاتها السياسية. لذلك كان من الطبيعي أن تشكل طهران أولى مراجعات الرئاسة الحالية بقيادة ترمب. محذرا بنفسه وفي أكثر من مناسبة أن التعامل القديم المتساهل مع طهران لم يعد ساري المفعول. فيما وصف وزير الدفاع الأمريكي الجديد من جهته إيران بأكبر دولة راعية للإرهاب. مع تأكيد صريح من القيادة ذاتها بأن الحوثيين في اليمن وغيرهم من الجماعات صنيعة إيران الراعية للإرهاب.
فيما تأثير الاقتصاد الدولي على القضايا السياسية بشكل عام لا ينتهي لكنه يتغير أو تتباين أولوياته، كما حدث أخيرا بين نظريتين اقتصاديتين؛ الأولى يتبناها المحافظون ومنهم ترمب تضع توظيف الداخل واحتياطات الأمن أولويتين تقفل من أجلهما الأبواب في وجه طالبي اللجوء، وأخرى يتبناها الديمقراطيون وتمثلها المعارضة الديمقراطية بأذرعها الإعلامية ويهمها استقطاب العمالة الرخيصة من خارج البلاد مهما كلف الثمن، وفي هذا الإطار يمكن فهم قانون المنع المؤقت الذي تبناه الرئيس ترمب لعدد من الجنسيات.
ولأن الرهان على نظام إيران رهان خاسر بطبعه الإرهابي وحتميته الاقتصادية فالمتوقع أن يتضرر منه امتدادا مع كثير من الإجراءات الدولية المتوقعة مواطنو دول عربية وإسلامية لا تزال حليفة لإيران وأخرى ارتبطت ولو جزئيا في وقت ما بجهات محسوبة على نظام الملالي. فالكيانات المحسوبة على هذا النظام الراعي للإرهاب طالما تغلغلت في مكونات اجتماعية عربية وإسلامية باسم الأعمال الخيرية والدينية المذهبية تغطية على أعمال إرهابية شائنة لا تتوانى أو تتعفف من القيام بأي شيء بدءا بتجارة المخدرات وصولا لتدمير الحضارات والأوطان، ودائما في سبيل تمكين الملالي وتصدير ثورتهم المزعومة وخرافاتهم الهدامة بين الأهالي والشباب.
تصريحات متتالية ومناورات عسكرية بحرية تلتئم ودعوات أوروبية وغربية قديمة لعقد مناورات ودوريات مستمرة في مياه الخليج شرقا، مع وصول سريع للمدمرة الأمريكية "كول" لباب المندب جنوبا، عبر تجليات متسارعة تؤكد جميعها أن النظرة الدولية وليس البيت الأبيض فقط تغيرت، وأن تدارك مافات بات أمرا ملحا لمصلحة السلمين الإقليمي والعالمي مع ضمان للمصالح الخاصة المعنية بتدفق الملاحة البحرية والجوية والبرية، التي تقف تهديدات الإرهاب ورعاته عائقا أمام سلاستها المعهودة. وهذا وفقا لمراقبين الخطر الاقتصادي والعسكري الحقيقي والأولى بالعناية عوضا عن الاهتمام بالسوق الإيراني وحده وحجم تبادلاته الذي ستصب مكاسبه في النهاية بأيد رعاة الإرهاب وعصاباته حول العالم لا بيد الشعب الإيراني المتضرر أولا وأخيرا من مغامرات وادعاءات حرس ثورته الشعبية المسروقة منذ انطلاقتها.
يبقى الخلاص والقطع الحازم مع نظام الملالي اقتصاديا وسياسيا بوضعه الإرهابي الحالي، كما فعلت السعودية مطلبا أمنيا ملحا لجميع الدول العربية والإسلامية لتوثيق العزلة وتأكيدها من جهة، وحماية لمواطنيها وخياراتهم في العيش الكريم والتنقل بحرية حول العالم من جهة أخرى، فالقضية اليوم لا تتعلق بصراع أديان أو أعراق، كما يحاول نظام الملالي الطائفي توصيفها لتوظيفها واستغلالها، بل تتعلق باشتراطات أمنية وبروتوكولية دولية يجب أن تستوفى كاملة حتى يستتب الأمن والسلم، وهذا بالتأكيد ما لا يطيق حدوثه الإرهابي الطائفي من دولة الدواعش أو الملالي وأتباعهما، الذين يقتاتون يوميا على اقتصاديات العنف والحرب.