العملات الخليجية تواجه أصعب تحد

[email protected]

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، مثل يمثل الحال الذي عليه وضع العملات الخليجية والريال السعودي على وجه الخصوص وتوجهات السياسة النقدية في المملكة ودول الخليج. ففي حين ترغب دول الخليج بالوصول إلى الاتحاد النقدي في عام 2010 مدعومة بتوجهات المجلس الأعلى في اجتماعه الأخير، إلا أن الظروف الاقتصادية العالمية تمثل تحدياً كبيراً ومحكاً واختبارا لاستمرار هذا التوجه. والسبب في ذلك أن دول الخليج الست وللوصول إلى العملة الموحدة، اتفقت على المثبت المشترك لعملات دول المجلس وهو الدولار، إلا أن ضعف الدولار وارتفاع مستويات التضخم في دول المجلس يشكلان ضغطاً على واضعي السياسات النقدية الخليجية ويجعلانهم بين أمرين أحلاهما مر. إما التركيز على سياسات قصيرة الأجل والتضحية بالأهداف النقدية البعيدة المدى والمتمثلة في الوحدة النقدية، وإما الاستمرار في التركيز على الهدف بعيد المدى والالتزام بوضع العملة الموحدة موضع التنفيذ في عام 2010.
ففي الأسبوع الماضي أعلن الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماع استثنائي للجنة سياسات السوق المفتوحة تخفيضه سعر الفائدة بمعدل ثلاثة أرباع النقطة المئوية، وهي سابقة لم تحدث منذ قرابة 20 عاماً، ليبلغ بعدها سعر الفائدة على القروض قصيرة الأجل 3.5 في المائة. كما يتوقع أن تقوم لجنة سياسات السوق المفتوحة في اجتماعها الدوري والذي سيعقد في نهاية كانون الثاني (يناير) الحالي بتخفيض يرواح ما بين الربع والنصف نقطة مئوية وذلك في مسعى إلى تحفيز الاقتصاد الذي يُجمع الكثير من الاقتصاديين على وقوعه في شرك الركود الاقتصادي. وأتت هذه الأحداث كاستجابة سريعة للاضطراب الذي رافق البورصات العالمية مطلع الأسبوع الماضي والذي انخفضت فيه البورصات بمعدلات عالية أدت إلى خسارة ما يقارب ستة تريليونات دولار من قيمة الأصول المملوكة في شكل أسهم حول العالم. هذا التخفيض جاء في الوقت الذي بقي فيه سعر الفائدة على الريال السعودي مرتفعاً بالمقارنة مع الدولار مما يعني حدوث فجوة تتجاوز 1.5 في المائة، مما سيؤدي بلا شك إلى عودة الضغوط على الريال في أسواق الصرف. هنا تثار تساؤلات كثيرة عن الخطوة التي ستقوم بها مؤسسة النقد، هل هي تخفيض سعر الفائدة، أم إعادة تقييم الريال؟ وهما خياران أحلاهما مر، على الأقل حسبما تدل عليه توجهات مؤسسة النقد.
إن هذه التحديات ستشكل تحدياً فعلياً لمقرر السياسة النقدية، فبالرغم من أن الإبقاء على سعر الفائدة على الريال مرتفعا يمثل وسيلة للحد من التضخم، إلا أن الإبقاء على هذا الوضع يضع السياسة النقدية بكاملها على المحك، إذ سيؤدي ذلك إلى تدفق رؤوس الأموال إلى المملكة خصوصاً في ظل ازدياد مخاطر الاستثمار الخارجي خلال هذه الفترة واتجاه المستثمرين للاحتفاظ بأصولهم إما بشكل ودائع وإما بقيامهم بشراء الأصول العديمة المخاطرة كوسيلة لتنويع محافظهم الاستثمارية. أما عملية تخفيض سعر الفائدة على الريال فهي ستشكل من ناحية أخرى عملية تقويض للسياسة التي تتبناها مؤسسة النقد للتحكم في التضخم المتزايد يوماً بعد يوم، وبين هذا الهدف وذاك سيظل مقرر السياسة النقدية حائراً يبحث عن وسيلة للخروج بأقل قدر من الخسائر. أما مسألة إعادة تقييم الريال فبالرغم من أنها ستمثل زيادة في القوة الشرائية للمواطن السعودي، إلا أنها سترتب أيضاً تكاليف كبيرة على الاقتصاد السعودي، وللقارئ الكريم الرجوع في هذا الأمر إلى مقال الأستاذ سعود جليدان المنشور على صفحات "الاقتصادية" يوم الأربعاء، 23 كانون الثاني (يناير) 2008.
ما الحل؟ ليس هناك بديل آخر أمام مؤسسة النقد إلا القيام بتخفيض سعر الفائدة أو إنهاء عملية الربط مع الدولار والتضحية بالكثير من المزايا التي تمتع بها الاقتصاد السعودي خلال عملية الربط، والتضحية كذلك بمشروع العملة الموحدة الذي يعد من أهم الأهداف الاقتصادية التي تسعى دول المجلس إلى تحقيقها خلال الفترة المقبلة. أما مسألة التضخم فعلاجها يتم عن طريق أهم أدوات السياسة المالية والتي كانت ولا تزال السبب الرئيس في زيادة معدلات التضخم، وهي الإنفاق الحكومي. إذ لا مناص لدول المجلس من إعادة جدولة الكثير من المشاريع الحكومية للخروج من هذا المأزق. إذ ما الفائدة التي سيجنيها المواطن من هذه المشاريع إذا كانت ستؤدي إلى تآكل القوة الشرائية لدخله الذي لم يتغير بشكل كبير من زيادة الموارد النفطية، بل على العكس أدى ذلك إلى تراجع قدراته الاستهلاكية بشكل كبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي