أسعار النفط واقترابها الأكيد من محطة التسعينات

أسعار النفط واقترابها الأكيد من محطة التسعينات

قد تصل أسعار النفط في بورصة نيويورك إلى حاجز الـ 90 ربما قبل نشر هذا المقال. فكل الدلائل تشير إلى ذلك رغم زيادة أوبك الأخيرة (500 ألف برميل يومياً) وأصبح الوصول إلى هذه المحطة مسألة وقت لا غير. فهذا صندوق النقد الدولي يتوقع في إحدى نشراته الأخيرة أن يصل سعر برميل الخام إلى 95 دولار في نهاية عام 2008م وذلك استناداً إلى أسعار عقود الخيارات. يبدو أن كل الطرق ستؤدي إلى محطة الـ 90 وربما تتعداها إلى محطة المائة رغم عدم الرضا من هذا التوجه من بعض الدول، فمخزون النفط للدول الكبرى يحوم حوله الكثير من الشكوك فمثلاً تترقب الأسواق صدور البيانات الرسمية حول مخزون الاحتياطي الأمريكي من النفط الخام و مشتقاته ويجدر الإشارة إلى وجود شكوك قوية بانخفاض مخزون النفط الأمريكي بمعدل 300 ألف برميل. ومن ناحية أخرى يقترب فصل الشتاء من الأبواب حيث الحاجة الكبيرة إلى زيت التدفئة هذا إضافة إلى الضعف الشديد الذي يعانيه الدولار الأمريكي وحالة الاقتصاد الأمريكي التي لا يحسد عليها. وأما في مسألة العرض والطلب فلا يوجد إلى الآن ما يشير على الإطلاق إلى تباطؤ الطلب العالمي على النفط خاصة ودول جنوب شرق آسيا بقيادة الصين تمتلك شهية مفتوحة إلى أقصى حد وتستطيع التهام المزيد من العرض. وهنالك دول أخرى مثل الهند تستعد لتكون من الدول السباقة في قيادة النمو في الاقتصاد العالمي إلى جانب الصين مما يرفع التوقع بشأن طلبها للنفط في المستقبل القريب جداً.
أما العوامل الجيوسياسية فهي أيضا من أهم الدوافع لوصول النفط إلى التسعينات فهذا التوتر بين شمال العراق وتركيا يهدد إنتاج المنطقة الكردية من النفط ولا يوجد ما يدل على سكون هذا الخلاف الأبدي المعقد. يقدر احتياطات العراق من النفط نحو 110 مليار برميل وتملك منطقة كردستان العراق احتياطات تقدر ما بين 12 إلى 45 مليار برميل وينتج العراق حالياً مليوني برميل وتبلغ كمية النفط المنتجة من منطقة كردستان نحو 200 ألف برميل يومياً ويتوقع المختصون أن يرتفع إنتاج شمال العراق إلى مليون برميل في غضون الخمس سنوات المقبلة ويجدر الإشارة إلى أن شركة DNO النرويجية قد انتهت للتو من مد أنبوب لنقل النفط من حقول كركوك إلى الأراضي التركية لتصديره. فلنا أن نتخيل ماذا سيحدث لو دخل الجيش التركي وهو الآن على مسافة تقارب البضع الكيلومترات إلى شمال العراق ومدى الفوضى الذي سيحدثها في المنطقة. وأما الملف النووي الإيراني فهو يتصدر الأحداث ولا يوجد ما يشير إلى هدوءه. وأما الحدث الآخر فهو الخلاف الذي ظهر أخيرا إلى السطح بين الخرطوم والحركة الشعبية ومن المعلوم أن جزءا كبيرا من نفط السودان يقع في مناطق متنازع عليها بين الشمال والجنوب. ينتج السودان حالياً نحو نصف مليون برميل يومياً يستهلك محلياً نحو 100 ألف برميل ويصدر الباقي. إن وجود أي نوع من الخلافات لا يساعد على ازدهار صناعة النفط في السودان مع تخيل ما يمكن أن تؤدى إليه في أسوء الحالات من صدام مسلح وانفصال، من المؤكد ان كل هذه السينوريوهات قد تلقى بظلالها على نفسية المتعاملين في النفط مما قد يؤدى إلى ارتفاع في الأسعار.
ويجب عدم إغفال أمر غاية في الأهمية وهو أن الاستثمار في صناعة النفط مكلف للغاية وبحاجة إلى مناخ استثماري من الدرجة الأولى ومن أهم مطالبه أقصى درجة من الاستقرار السياسي والأمني للمساعدة في ضخ الأموال في هذه المنطقة أو تلك وعلى هذا الأساس يعتبر وجود النفط في بعض ألاماكن الغير مستقرة من العالم مصدر تحد للشركات النفطية الكبرى إلى حد المجازفة فهنالك احتمال الربح الكبير وهنالك احتمال فقدان كل شيء.
يبدو ان الزيادة الأخيرة لدول الأوبك (500 ألف برميل يومياً) لم تف بالغرض وهو كبح جماح الأسعار لتبدو منطقية ويغلب عليها العقلانية بدل الحواجز النفسية والفزع، فوصلت أسعار سلة أوبك إلى مناطق قياسة حين تخطت 81 دولار للبرميل في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري وتجدر الإشارة إلى أن سعر سلة أوبك كان بحدود 76 دولارا للبرميل قبل نحو أسبوع أي أنه زاد بنحو 5 دولارات للبرميل مستجيباً للازمة الكردية التركية واحتمال انخفاض مخزونات النفط في الولايات المتحدة. ويعرض جدول (1) التاريخ القريب للأسعار هذه السلة وكيف وصلت في عام 1998م أي قبل أقل من عشر سنوات إلى 12 دولار للبرميل ومن ثم بدأ الزحف المستمر وخاصة من بعد عام 2003م وإلى الآن حيث شهد العالم أحداثا جساما مثل الوضع المؤسف في العراق واحتلاله والملف النووي الإيراني، باختصار إن احتلال العراق وكما يعرض الجدول لم يؤد إلى استقرار العالم على الأقل من ناحية الطاقة. وأما من الناحية الاقتصادية فيعتبر ظهور الصين (بشكل رئيس) كقوة اقتصادية عالمية واستمرار نموها الكبير من عام 2003م والى الآن من الأحداث المؤثرة في سعر الخام حيث الزيادات المتتالية لاستهلاك الصين للنفط مع عدم وجود ما يدل على تباطؤ هذه الزيادة في استهلاك النفط، وعدم وجود في الوقت نفسه زيادات مؤثرة في إنتاج النفط في العالم لتغطية الزيادة في الطلب الآسيوي.
مصلحة دول أوبك تقتضى أن تكون أسعار نفطها معقولة ومدروسة فالارتفعات الكبيرة غير المبنية على أساسات صلبة لن تساعدها على المدى البعيد لأسباب كثيرة تم ذكرها في مقالات سابقة وأهمها نمو الطاقة البديلة وإغراء الكثيرين بها خاصة والنفط بهذه الأسعار، وعلينا أن نتذكر أن الغرب يعتبر النفط مسؤلاً رئيسياً عن ظاهرة الاحتباس الحراري أي ان للنفط ما يكفى من الأعداء و المنافسين. وعلى هذا الأساس قد يكون من المناسب ان تعلن دول الأوبك في اجتماعها القادم على زيادة أخرى هذا إذا استمرت الأسعار في الارتفاع وألا تقل الزيادة المقبلة عن المليون برميل لتطفئ هذه الموجة الجامحة من الزيادة في الأسعار. والسؤال كيف سيكون موقف دول أوبك الـ 12 من الزيادة المقبلة. يجب الانتباه إلى أن دول أوبك يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين على أساس الاحتياطيات النفطية الموثقة فبعض دول أوبك مثل المملكة وبعض دول الخليج تحظي باحتياطيات نفطية تكفيها لعشرات السنين ومن مصلحتها الاستراتيجية أن يبقى النفط مصدر الطاقة الأول في العالم وبأسعار مقبولة للمنتج وللمستهلك، وأما بعض الدول الأخرى فتملك احتياطات متواضعة وتريد أن تتمتع بالارتفاعات الآنية ما استطاعت ضاربة بالمستقبل عرض الحائط لأنه لا يعنيها ولذلك قد تمانع تمرير أي قرار بزيادة الإنتاج كما حصل في الاجتماع السابق وذلك لتفادي نزول الأسعار.
وختاماً إن ارتفاع أسعار النفط هذه وقربها من الـ 90 دولار يجب أن يكون عامل ازدهار لصناعة النفط السعودية حيث أعمال زيادة الإنتاج تجري على قدم وساق ومن ثم يجب أن تزدهر الصناعات الخدمية في مجال النفط لأن المجال مفتوح وهنالك حاجة ماسة لأعمال التنقيب والحفر وصيانة الآبار وترميمها ولا ننسى الأعمال الهندسية والإنشائية. كل هذه تعد فرصا حقيقية واستثمارية نادرة ورائعة لرأس المال السعودي لان فيها الخير الوفير.

الأكثر قراءة