رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


فقراء بين مطرقة الشتاء وسندان الغلاء!!

[email protected]

كم سعدت وسعد غيري بالمساعدات التي قدمتها الدولة للفقراء الذين ينتشرون في أنحاء المملكة طولاً وعرضاً, حين صدر الأمر الكريم بعيداً عن البيروقراطية المقيتة لتصل على وجه السرعة حيث يقيم أولئك المحتاجون, ولئلا يقعوا في شراك الذلة والحاجة, وهذا الموقف الحكومي النبيل, ونحوه من المواقف الأهلية المساندة, ينبغي أن تذكر فتشكر, وفي تاريخنا الإسلامي العديد من المواقف المشرفة التي سجلها لنا التاريخ بصفحات بيضاء, وربما ينهل من دروس تلك الصفحات الماضية بعض دعاة حقوق الإنسان لو وظفت إعلامياً كما يجب, بل بعض تلك المواقف التاريخية يقف واقعنا المعاصر أمامها مندهشاً وحائراً في آن واحد! ولن أقف عند بعض النماذج النبوية, لئلا يحتج بأنها مواقف مثالية, ولكن أقف مع بعض النماذج العمرية, مع عمر ، رضي الله عنه، الذي جاءه ذلك الأعرابي من اليمن, يشكو إليه الجدب, فأعطاه حاجته, ثم قال قولته الشهيرة: (والله لئن بقيت لهم ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال, وهو يرعى مكانه!!) فهل يستطيع دعاة حقوق الإنسان أن يعلنوا هذا المبدأ, وأن يترجموه حرفياً في بلدانهم المتحضرة - بعيداً عن الأضواء الإعلامية, أو عن جني المصالح السياسية - كما فعل عمر؟ لا أعتقد ذلك, لأننا نرى الفقر في كثير من البلدان الغنية يمتد طولاً كلما امتد اقتصادها, ويتسع عرضاً كلما اتسع استثمارها!!
ولم يقف أمر عمر عند هذا الحد, بل قال رضي الله عنه لنوابه في الأقاليم:(إذا أعطيتم فأغنوا) وذلك لينتج العطاء ثمرته, ويتحول الفقر إلى غنى, بحيث يتوفر لكل فرد في الدولة حاجاته الرئيسية, بل وأكثر من هذا, فإنه عندما رأى رضي الله عنه على الأحنف ثوباً قد اشتراه باثني عشر درهماً, قال له: (فهلا بدون هذا, ووضعت فضلته موضعاً تغني به مسلماً!!) ولما بلغه أن ناحية من نواحي المسلمين قد تسلل إليها الغلاء, حط نفسه على قدر ما يبلغه, وقال: كيف يكونون مني على بال إذا لم يمسني ما مسهم, فغلظ على نفسه, وأقبل على خبز الشعير, فقرقر في بطنه يوماً, فقال: هو ما ترى حتى يحيى أهل مدينة كذا!!) فأين نحن من هذه العظمة؟!! كم منا من يشبع, وجاره يقرقر بطنه من الجوع؟ وكم منا من يروى من الماء, ومن أنواع العصيرات والمشروبات المختلفة, وقريبه يلهث من العطش؟ وكم منا من يلبس الأنواع الكثيرة والمثيرة, من الأشمغة الفاخرة, والثياب الأنيقة, والألبسة الشتوية, بأشكالها المختلفة, وفي حيه أو مدينته أو بلده من لا يجد جورباًً يستر به قدمه!! فيكتفي بسترها بما تيسر من ورق, أو قطعة قماش ممزقة, ليحاول عبثاً أن يحميها من صقيع البرد القارس!! ولم يعد سراً أن في بعض مدن المملكة من لا يسكن إلا في خيام بالية, أو في كومة حديد, تشتد برودتها في الشتاء, وترتفع حرارتها في الصيف!!!
وهنا أقول: إن الدولة بما تصدره من قرارات, وبما تتخذه من إجراءات, تجاه مشكلة الفقر في بلادنا, يشير إشارة واضحة على حرص المسؤولين على حل هذه المشكلة, ولكن يظهر أنه لا توجد حتى هذه اللحظة خطة استراتيجية واضحة لحلها, وهنا أتساءل: لماذا لا تشكل لجان في كل منطقة, تقوم بإجراء مسح ميداني على جميع سكانها, وبآلية واضحة ومحددة, مع توظيف التقنية الحديثة لتذليل كل العقبات, ويوضع لها سقف زمني محدد, وبشرط أن يكون أعضاء اللجان ممن يشهد لهم بالثقة والأمانة, ويمكن أن يكون أعضاء اللجنة من جهات متعددة, ذات اختصاص مشترك, كأن يكون فيها أعضاء من وزارة الشؤون الاجتماعية, ومن هيئات الأمر بالمعروف ـ فهذا العمل جزء لا يتجزأ من المعروف, وهو يساعد عملياً في توسيع هذا المفهوم - ومن بعض المؤسسات الخيرية, ولجان السجناء المفرج عنهم, وحقوق الإنسان, وبهذا يمكن أن تتلاقح الأفكار, وتتضافر الجهود, لإنهاء أزمة كثير من الفقراء والمحتاجين في بلادنا, ولاسيما نحن نمر بهذه النهضة الاقتصادية, وفي ظرف هذا التضخم غير المسبوق الذي تسلل إلى الغني قبل الفقير, والله تعالى وحده هو الموفق والهادي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي