رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المسلمة سيفيل شحادة .. نائبة لرئيس الوزراء في رومانيا

في رومانيا صعدت المسلمة سيفيل شحادة إلى كرسي نائب رئيس الوزراء، بعد أن رفض الرئيس الروماني كلوس يوهانيس تمكينها من منصب رئيسة الوزراء، وهذا المنصب يقع في رأس السلطة التنفيذية في دولة أوروبية معظم سكانها من المسيحيين الأرثوذوكس، حيث تصل نسبة المسيحيين فيها إلى 88 في المائة وقوام سكانها 20 مليون نسمة. وتقول الإحصاءات التي زفت سيفيل شحادة إلى هذا المنصب إنها أول مسلمة تعتلي هذا المنصب الرفيع في دولة من الدول الأوروبية العريقة.
والواقع أن وصول سيدة مسلمة إلى هذا المنصب القيادي الرفيع في دولة الأغلبية فيها من المسيحيين يثير كثيرا من اللغط في الأوساط الغربية حول احتمالات وصول عدد آخر من المسلمين إلى هذه المناصب العليا في الدول الأوروبية الأخرى. ويجب ألا يغرب عن بالنا أن الحرب ضد الإسلام والمسلمين في الغرب حرب شرسة، وأن الكفاءات المسلمة لن تصل إلى مواقع القيادة إلا بجهود شاقة مضنية. ومع صعود دونالد جون ترمب إلى سدة الإدارة الأمريكية، فإن المسلمين ــ على مستوى العالم ــ سوف يتعرضون إلى كثير من الضغوط والمضايقات.
إن أعداد المسلمين في أوروبا كلها تتزايد بشكل كبير، ويذكرني وصول سيفيل شحادة إلى رئاسة مجلس الوزراء في رومانيا بقضية مثلت أمامي في عام 2004 حينما قامت حفنة من طلاب معهد الدراسات الاستشراقية في ألمانيا بزيارة للمملكة العربية السعودية بدعوة من وزارة الإعلام (وزارة الثقافة والإعلام)، وهذا المعهد يقع في مدينة فرانكفورت، ويدرس علوم ولغات الحضارات الشرقية، وبالذات الحضارة الإسلامية.
وكنت قد التقيت رئيس بعثة المعهد الذي كان يقود الفريق الزائر، وسألته ــ بعد أن تعرفت على المعهد وعن المهام التي يقوم بها ــ عن عدد المسلمين في ألمانيا، فقال نحو ستة ملايين نسمة، فقلت وهل هؤلاء الطلاب ألمان أم من جنسيات مختلفة؟
قال إن معظمهم ألمان. قلت ولماذا يدرسون هذه الحضارات الغابرة؟ فقال: الخوف ليس من دراسة الحضارات الشرقية، ولكن الخوف الحقيقي أن عدد المسلمين في أوروبا كلها يتزايد بشكل مخيف، حيث إننا بتنا نخشى أن يصبح المسلمون في البرلمان الألماني هم الأغلبية. وإذا حدث هذا فإن الحكم في ألمانيا قد يتحول إلى حكم يقوم على مبادئ الدين الإسلامي وليس مبادئ الديمقراطية الغربية! وداريت ابتسامة صفراء، وقلت هل هذا معقول؟ قال نعم بكل ثقة، وهذه لغة الإحصاءات والأرقام. قلت ماذا تقول الإحصاءات؟ فقال تقول الإحصاءات المتوافرة لدى الحكومة الألمانية إنه بحلول عام 2065 ــ إذا استمرت معدلات الزيادة في عدد المسلمين في مستواها الحالي ــ فإن الأغلبية في البرلمان الألماني سوف تصبح أغلبية مسلمة!
مشروع حرب الحضارات هو الجانب الآخر لمشروع برنالد لويس. هذا الرجل كان يتدحرج مثل كرة النار ويتجه نحو عالمنا الإسلامى داعياً الغرب إلى تدمير بلاد الإسلام بكل أسلحة الدمار الشامل، ومنادياً الغرب أن يعود ويستعمر العالم الإسلامي ويقضي على المسلمين في أي مكان فوق كوكب الأرض.
من الأطروحات التي كان برنارد لويس يرددها ضد الإسلام والمسلمين قوله إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم الغربي المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك يرى لويس أن الحل السليم للتعامل مع دول العالم الإسلامي هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربتين البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان البريطانية والفرنسية. ويمضي لويس موجهاً تعليماته للإدارة الأمريكية بقوله: إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم. ووجه كلامه للأمريكان وقال: يجب أن يكون شعار أمريكا في حملتها ضد المسلمين (إمّا أن نضعهم تحت سيادتنا أو نتركهم يدمرون حضارتنا)، وأردف قائلاً: ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وخلال هذا الاستعمار الجديد لا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قياداتهم الإسلامية ــ دون مجاملة ولا لين ولا هوادة ــ ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية الفاسدة. ولذلك يرى لويس ضرورة تضييق الخناق على هذه الشعوب ومحاصرتها، واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها، وطالب لويس بتعزيز التحالف لدفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضاً، وضرب لويس المثل بما فعلته أمريكا مع الهنود الحمر فى القارة الأمريكية الحمراء. ولم يكتف لويس بالدعوة إلى تدمير الإسلام والمسلمين بل تمادى في حقده وقدم روشتة إلى الغرب لتقطيع دول العالم الإسلامي، ومنها تفكيك دول المغرب العربي وإحلال دولة البربر محلها، وإلغاء كيانات دول الخليج وتأسيس دويلات طائفية شيعية وسنية محلها، وكذلك تقطيع العراق إلى ثلاث دويلات سنية وشيعية وكردية، ثم تقسيم سورية إلى دويلات عرقية، وإلغاء الوجود الفلسطيني من الخريطة تماماً من أجل عيون إسرائيل، حتى لبنان البلد المقسم الذي وقع فريسة تفتيت غربي سابق على يد سايس ورفيقه بيكو لم يسلم من تقسيمات لويس، فقد طرح لويس فكرة تقسيم لبنان إلى ثمانية كانتونات عرقية ومذهبية ودينية، وكذلك طال لويس إيران وأفغانستان وأوزبكستان وباكستان وفتتها إلى دويلات عرقية ومذهبية ودينية. ولو تصفحنا واقعنا العربي والإسلامي حالياً نلاحظ أن مخطط برنارد لويس ينفذ بحذافيره. وفي إطار حربه على الإسلام أطلق لويس في عام 1990 مصطلح "صراع الحضارات"، وقام الأكاديمي صامويل هانتجتون ــ مع الأسف ــ باستخدام المصطلح في كتاب أصدره بعنوان صدام الحضارات The Crash of Civilizations، ولكن المملكة العربية السعودية من ناحيتها قدمت إلى المجتمع الدولي مشروعها الحضاري حوار الأديان والثقافات، وهو المشروع الذي ترد فيه المملكة على مشروع الصدام، وفي إطار هذا المشروع دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يرحمه الله - أهم الفعاليات في المجتمع الدولي إلى مؤتمر عالمي في الأمم المتحدة يدعو إلى الحوار بين الأديان والثقافات، وقد حقق الحوار نجاحاً منقطع النظير، بل أكثر من هذا اتخذ الملك عبد الله - يرحمه الله - خطوة متقدمة باتجاه الحوار وأنشأ مركزاً دولياً للحوار الدائم، ومكافحة الإرهاب والدعوة إلى سلام وأمن واستقرار العالم، مؤكداً أن الإسلام يدعو دائماً إلى الاستقرار والسلام ونبذ الحروب بين دول العالم.
نعود إلى المسلمة سيفيل شحادة ونهنئها على وصولها إلى هذا المنصب الرفيع، وإن شاء الله ستكون عند حسن ظن الشعب الروماني وتدفع رومانيا إلى مستويات أعلى من الرفاهية والتقدم.
إننا نتمنى لكل الكفاءات الإسلامية مزيداً من المناصب الرفيعة في دول أوروبا حتى تخفف من تهديدات الغرب نحو بلاد الأمم الإسلامية التي اكتوت بنار الحروب التي يشنها الغرب ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان من العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي