فساد التنفيذ في شوارعنا .. أخطار دائمة
في خبر نشرته إحدى الصحف الإلكترونية مدعوما بالصور تعرض شاب كان يقود سيارته على طريق التخصصي بالقرب من مرور الناصرية بالرياض لإصابات متنوعة أدت إلى دخوله للعناية المركزة في مدينة الملك سعود الطبية وذلك بسبب حفرة عميقة مملوءة بالمياه فوجئ بها الشاب تتوسط شارع التخصصي لم يستطع تفاديها فارتطمت سيارته بها لتنحرف ناحية الرصيف ليصار به إلى السرير الأبيض فاقدا الوعي.
خبر لم يثر استغرابي فأنا وغيري من قادة السيارات نتعرّض يوميا في شوارعنا لحفر وهبوطات ومرتفعات وكسور وزوايا حادة لمناهيل مرتفعة عن الشارع وأخرى أصبحت حفرا هابطة عن الشارع بعد إعادة السفلتة، وأصبحنا نستغرب عندما نسير في شارع تمت سفلتته حديثا دون تشوهات، نعم فالأصل أن السيارة "تناقز" وعلينا أن ننظر في الشارع بتمعن أكثر مما ننظر للسيارات التي أمامنا وجنبنا وخلفنا لأن الشارع مملوء بالمفاجآت التي تتطلب سرعة بدهية واحترافية لتجنبها وإلا "تأكل" المطب أو الحفرة وتتحمل نتائج ذلك من عطل فوري للسيارة وتكاليف إصلاح عالية وتحمد الله على ذلك كون الضرر لم يلحق بجسدك كما حصل مع الشاب الذي نقل للعناية المركزة.
أحد الأصدقاء نظره ضعيف ويلبس نظارة و"يأكل" كما يقول كثيرا من الحفر ويلامس كثيرا من الزوايا الحادة للمناهيل البارزة، ولذلك لا يمر أسبوع إلا ويتكلف الكثير لإصلاح سيارته وعندما أقول له يجب أن تشتكي لأمانة المدينة يقول "من فاضي للشكوى والمتابعة"، فالمشكلة ليست استثنائية بل هي مستدامة كما التنمية المستدامة المستهدفة، وعندما نفتح موضوع تشوهات الطرق في أي جلسة اجتماعية فإن القصص لا تنتهي فكل منا لديه قصة مؤلمة مع شوارعنا المشوهة، أقلها كثرة الأعطال التي تشمل مساعدات ومقصات وأذرعة السيارة إضافة إلى كراسي الماكينة التي تتطلب تغييرا بشكل مستمر بسبب تشوهات الشوارع.
أحد المعلقين على خبر الشاب الذي فوجئ بالحفرة يقول المصيبة ليست في وجود حفرة تلتهم سيارات سالكي الطريق بل في استمرار المتسبب في إفساد الشوارع دون حسيب ولا رقيب، وفي غياب المسؤول الذي يتحمل مسؤوليته أمام الله وأمام الناس وهو يرى الشوارع التي تندرج تحت مسؤوليته دون أن يعمل على معالجتها، نعم المصيبة في غياب المسؤول الذي يرى إفساد الشوارع بأم عينه بل ربما يقع في حفرة كما يقع فيها الآخرون ويعاني تشوهات الطرق ولا يعمل على حل المشكلة من جذورها بالحسم والعزم، فكل شارع لا بد له من مقاول ينفذه وفق المواصفات المعيارية للشوارع الصالحة لحركة السيارات، وله مشرف تسلمه وفق المواصفات والمعايير، وله عقد صيانة للحفاظ عليه، وبالتالي من السهل تحديد مصدر الخلل والتلاعب والفساد، ولكن لا أحد يحاسب.
وأقول أيعقل أن تتم إعادة سفلتة شارع دون قدرة على ضبط مستوى الشارع مع مستوى المناهيل؟ على سبيل المثال لنجد أن الشارع بعد السفلتة أصبح فيه كثير من الحفر التي تلحق الضرر بالسيارات في أماكن المناهيل، وللحقيقة أقول الحفرة أهون بكثير من الحالة التي تكون فيها أغطية المناهيل أعلى من مستوى الشارع، حيث تبرز الزوايا الحادة التي تلحق الضرر بإطارات السيارات.
وإذا تركنا المشكلات التي تنشأ عن إعادة السفلتة وجئنا لمشكلة الحفريات التي لا تنتهي خصوصا حفريات شركة المياه لتمديد شبكات المياه أو شبكات الصرف الصحي التي تتطلب حفرا عريضة وعميقة تمتد لفترات طويلة وما إن تنتهي حتى تنجلي عن تشوهات شديدة في الشوارع باتت ظاهرة، ولقد تشوه كثير من الشوارع بعد سفلتتها أو إعادة سفلتتها بفترة وجيزة نتيجة تلك الحفر رغم أن الشروط الفنية تلزم المقاول بإعادة الشارع كما كان عليه قبل الحفر.
بعض الشوارع التي تمت سفلتتها لأول مرة شككت أن هذه السفلتة مؤقتة ولكن سرعان ما اكتشفنا أنها دائمة بعد أن تم تخطيطها، نعم شككت بأنها مؤقتة من سوء السفلتة والتشوهات الشديدة لجهة كثرة الانكسارات، والهبوط، والارتفاعات، وفتحات الصرف البارزة، والكسور في الأرصفة، بل من تعرّج المسارات وانغلاق بعضها نتيجة عدم إزالة مرتفعات رملية، ورغم كل ذلك أصبحت شوارع دائمة تعمل جبنا إلى جنب مع الشوارع المشوهة الأخرى في إلحاق الضرر بالسيارات وتحمّل أصحابها والاقتصاد الوطني تكاليف لا داعي لها بتاتا.
أما قصص شوارعنا عند هطول الأمطار فحدّث ولا حرج، حيث تتجمع الأمطار بسبب سوء التصريف وسوء هندسة المناسيب لتكون مستنقعات ذات أعماق تغطي جزءا كبيرا من السيارات الأمر الذي أدى إلى تلف في الماكينات وناقل الحركة لكثير من السيارات وتحمّل أصحابها تكاليف الإصلاح التي تصل إلى عشرة أو 20 أو 30 ألف ريال حسب نوع السيارة.
نسمع أن مشاريع تمديد شبكات المياه والصرف الصحي ومشروع القطار ومشاريع تصريف السيول ومشاريع الجسور والأنفاق هي التي تقف وراء تفشي الشوارع المشوهة المملوءة بالحفر والتكسرات، والهبوطات والارتفاعات، وأن التحويلات البديلة لا يمكن الإنفاق عليها لكونها مؤقتة ولذلك فهي بدائية جدا، والسؤال هل هذه أعذار مجدية لما يعانيه الناس بهذه الطرق التي تعدم السيارات وتتلفها إضافة إلى تسببها في حوادث خطرة وأضرار مالية ونفسية وتكاليف أدت في محصلتها إلى التأثير السلبي في شركات التأمين التي قامت بدورها برفع أسعار التأمين بشكل كبير لا قبل لكثيرين به حتى أصبحت نسبة تأمين السيارات نحو 50 في المائة فقط؟
ختاما، الحديث يطول حول شوارعنا المشوهة وآثارها السلبية في المواطن والاقتصاد، حيث باتت تشكل صورة فاضحة للفساد بكل صوره وحان الوقت ونحن نعيش "برنامج التحول 2020" الذي يستهدف رفع الكفاءة أن نقضي على هذه الظاهرة من جذورها بتحميل كل مسؤول مسؤوليته ومن يتقاعس يجب أن يتعرض للمساءلة.