تحديات داخلية

تحديات داخلية

[email protected]

في الوقت الذي يمر فيه العالم بمرحلة من النمو في الطلب على النفط يتزايد فيها الاهتمام بوضع الإمدادات، شكّل وضع الطاقة الإنتاجية في الدول ذات الاحتياطيات عاملا أساسيا فيما يتعلق بالأسعار في بعض المراحل ولا يزال. فبسبب تأثيرات الوضع الجيوستراتيجي والخوف من انقطاع الإمدادات، فإن هناك حاجة إلى الإبقاء على طاقة إنتاجية فائضة في حدود 5 في المائة من حجم الطلب اليومي ليمكن عبرها التعويض عن أي انقطاع في الإمدادات لأي سبب من الأسباب. ووصلت الضغوط على الدول المنتجة للاهتمام بهذا الجانب، الأمر الذي دفع منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) إلى نشر معلومات عن خططها لرفع الطاقة الإنتاجية وحجم الاستثمارات المتوقع ضخه في مختلف المشاريع.
على أن توافر الإنتاج ليس كافيا في حد ذاته لتوفير الطمأنينة للأسواق، وإنما وصول الإمدادات إلى المستهلكين في الوقت الملائم وبالسعر المناسب، وفوق ذلك وصولها بالكميات التي تلبي احتياجات السوق. فحجم الصادرات يعتمد في نهاية الأمر على ما تستطيع الدول المنتجة توفيره للسوق، وهي تفعل ذلك بعد تلبية احتياجاتها المحلية، فأهل الدار لهم الأولوية.
إحدى القضايا التي بدأت تلفت الأنظار أخيرا وبصورة واضحة صارت تتركز حول حجم الاستهلاك الداخلي في الدول المنتجة، خاصة مع تضعضع حجم الإنتاج من خارج الدول الأعضاء في (أوبك)، الأمر الذي يعني قلة الإمدادات إلى السوق.
ووفقا لدراسة للوكالة الدولية للطاقة، فإن الاستهلاك الداخلي لدول (أوبك) من النفط ومنتجاته يبلغ مرتين ونصف معدل الاستهلاك العالمي، وأنه خلال الفترة بين عامي 2000 و2006 فإن 22 في المائة من حجم الزيادة في الطلب العالمي في استهلاك النفط تعود إلى الدول الأعضاء في (أوبك)، في الوقت الذي استحوذت فيه الصين على ما نسبته 32 في المائة والولايات المتحدة 12.5 في المائة.
وبالأرقام المطلقة، فقد بلغ إجمالي الاستهلاك من المنتجات المكررة في دول (أوبك) العام الماضي 6.3 مليون برميل يوميا يتوقع لها أن ترتفع بأكثر من مليوني برميل يوميا هذا العام، خاصة بعد انضمام أنجولا إلى عضوية المنظمة. ومعروف أن أي برميل يتم استهلاكه محليا يكون على حساب برميل كان يمكن أن يجد طريقه إلى الأسواق العالمية في شكل صادر يلبي احتياجات المستهلكين.
أحد أسباب الارتفاع في وتيرة الاستهلاك المحلي داخل الدول الأعضاء في (أوبك) يعود إلى الطفرة المستمرة منذ أربع سنوات، والاتجاه إلى عمليات التصنيع في مجال البتروكيماويات وتوليد الطاقة وتحلية المياه، وكلها تعتمد على الطاقة النفطية إلى حد كبير، وهذا بالطبع إلى جانب الدعم الذي تحظى به المنتجات المكررة وعدم دفع المستهلكين إلى السعر العالمي، وهو قرار سياسي أحد تبعاته زيادة الاستهلاك.
لكن نظرة مقربة إلى الأرقام توضح أنه برغم ما ذكر آنفا إلا أن معدلات الاستهلاك الفردي تظل في دول (أوبك) أقل منها من في الدول الصناعية رغم التفاوت في حجم الاستهلاك بين الدول الخليجية وغيرها من المنتجين الآخرين مثلا.
ووفقا لدراسة للمركز الدولي لدراسات الطاقة في لندن، فإن متوسط استهلاك الفرد في دول (أوبك) يصل إلى أربعة براميل في العام، مقابل 35 برميلا في الولايات المتحدة و11 برميلا في الدول الأوروبية، ولو أن استهلاك الفرد في دول (أوبك) يمثل ضعف الاستهلاك الفردي الصيني الذي يبلغ برميلين في المتوسط.
وهذه الحقائق تعيد النقاش إلى نوع الاستهلاك المفرط في الدول الصناعية الرئيسية، ويكفي أن الولايات المتحدة مثلا تستهلك واحدا من كل أربع براميل منتجة على نطاق العالم. فالحضارة الحالية تقوم على نمط من الحياة، والاستهلاك يجعل من الصعب التعامل معه. ويظهر هذا في أنه ومنذ الصدمة النفطية الأولى في سبعينيات القرن الماضي، فإن الولايات المتحدة اتبعت سياسة تقوم على ترشيد الاستهلاك حتى يمكن تقليل الاعتماد على النفط الأجنبي المستورد. لكن وبعد أكثر من ثلاثة عقود من الزمان وعبر مختلف الإدارات الجمهورية منها والديمقراطية المدعومة من الكونجرس ومجلس النواب ومراكز الأبحاث التي لا حصر لها، فإن نسبة الاعتماد الأمريكي على النفط المستورد زادت في واقع الأمر بدلا من أن تنقص وتمثل في الوقت الحالي أكثر من 60 في المائة.
الأمر لا يتعلق بوضع سياسات أو طرح خيارات، وإنما يتعلق بنمط للحياة وقدرة اقتصادية وإمكانات تجعل من اليسير على كل عائلة الاحتفاظ بأكثر من سيارة والاستمتاع بموسم القيادة في فصلي الربيع والخريف، وهو ما جعل من استهلاك قطاع النفط جانبا مؤثرا فيما يتعلق بأي سياسة للطاقة يمكن وضعها. وما لم تتم مواجهة هذا الوضع، فإن التركيز على تنامي حجم الاستهلاك في دول (أوبك) يعتبر شماعة أو هروبا من مواجهة المشكلة الحقيقية.

الأكثر قراءة