رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الغلاء .. وكبح جماحه

[email protected]

الغلاء بات مشكلة يعاني منها الجميع يبدو أن كبح جماحه بات صعبا أصاب كل السلع الأساسية والكمالية معا المنتجة محليا أو المستوردة، ومع أن موجته عالمية لم تسلم منها دولة، خاصة دول الخليج، إلا أن هناك شكوكا بأن بعض هذا الغلاء مفتعل من قبل بعض التجار ضعفاء النفوس لدينا, وأيضا من تجار المصدر الذين يسعون لاستغلال موجة الغلاء العالمية وطمعا في كعكة دخل دول الخليج من النفط المرتفعة أسعاره بأساليب كما جاء في جريدة "الاقتصادية" في 6/12/1428هـ بأن هناك تجارا في الهند يسعون لشراء كميات كبيرة من الأرز وتخزينه لبيعه بسعر أعلى، فالأسعار ترتفع بشكل مذهل وسريع وكأنها وحش انفلت من عقاله وبتنا غير قادرين على مواجهته وضبطه على قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".
على وقع هذا التضخم، الذي بات يقلق الجميع، برزت عدت اقتراحات للسيطرة عليه، وتمحورت هذه الاقتراحات في نقطتين أساسيتين هما: فك ارتباط الريال بالدولار، وتخفيض سعر صرف الريال لكون الدولار الأمريكي يمر حاليا بأضعف حالاته مقابل العملات الأخرى، وأمام هذه المطالبة ما زالت الجهات الاقتصادية في بلادنا ترفض هذه الحلول وتصر على بقاء الحال على ما هو عليه، وإن كان الاقتصاديون يتفهمون بقاء ربط الريال بالدولار، إلا أن رفض تغير سعر الصرف بما يتوافق مع قيمة الدولار الحقيقية بالريال بوضعه الحالي ليس مفهوما ولا مقنعا، وبالتأكيد لدى المؤسسة الاقتصادية الرسمية أسباب ترتبط بالمصلحة الوطنية لهذا التمنع، وكم نتمنى لو أنها أفصحت عنها لنعلم جميعا هذه الأسباب، وعندما تكون هناك قناعة بذلك يصبح هناك موقف وطني ونتصرف لحلول أخرى بعيدا عن التجاذب حول موضوع القرار فيه محسوم.
وقد يرى أن أولى المعالجات العاجلة هي رفع دخل المواطن من خلال زيادة الرواتب، وهذا حل براق من الوهلة الأولى، ولكنه حل لن يكون مجديا بمعزل عن حلول أخرى، منها ضبط الأسعار للسيطرة على التضخم حتى لا يلتهم أي رفع للرواتب، فرفع الرواتب مع تصاعد الغلاء ليس حلا فاعلا، فالأجدى أن يصرف الجهد لمحاصرة التضخم في الحدود المقدور عليها، كأن تشدد الرقابة على أسعار السلع المفترض ألا دخل لها بالغلاء العالمي كإيجارات المساكن، التي جاء ارتفاعها غير المبرر في أحيان كثيرة أحد مسببات التضخم، فمعظم الملاك انساقوا أو بالأصح استغلوا موجة الغلاء في غير محلها وقاموا برفع قيمة إيجارات عقاراتهم، وإذا عرفنا أن نسبة كبيرة من سكان المملكة لا يملكون مساكن كما هو معلوم، فإن ارتفاع أسعار إيجارات السكن تضغط سلبا على دخل المواطن وتسهم في رفع نسبة التضخم، وكذلك أسعار الخضار المنتجة محليا، ونضيف إلى ذلك نسبة البطالة كلاعب آخر في مسببات التضخم.
إن أردنا الحد من وطأة التضخم الذي هو عالمي كما نعلم، فإن الحلول لا ينفع أن تكون وقتية وغير فاعلة كرفع الرواتب مثلا، بل في العمل على تناسب الدخل مع المصروف، وهذا يتأتى من مراجعة أسعار السلع والخدمات الأساسية من جهة، وعودة الدعم لبعضها، مما لا تكون فيه صعوبة مراقبة أسعاره من ناحية أخرى، وهو ما يتطلب أولا إعادة النظر في أسعار الكهرباء والهاتف ومشتقات البترول وقيم الرسوم المختلفة وخفض الجمارك على السلع الأساسية ودعمها، بمعنى أن نعود لفترة ما قبل الضائقة المالية التي تعرضنا لها بدءا من منتصف الثمانينيات حين تدنى سعر النفط لما دون عشرة دولارات ووقتها تم رفع قيم مجمل الخدمات وألغي الدعم على السلع الأساسية لمواجهتها كإجراء مؤقت، وثانيا العمل بجدية على التوظيف سواء في القطاع الحكومي أو الخاص لتأمين وظائف لنسبة أكبر من العاطلين ومعظمهم مؤهلون، وثالثا التفكير جديا بتعديل صرف الدولار لتضييق الهوة ما بين سعر الريال وسعر الدولار المتدني في الوقت الحالي، ويمكن أن يعاد النظر فيه إذا دعت الضرورة إليه، فهذه الحلول التي يجمع عليها ذوو الاختصاص في علم الاقتصاد هي الحلول الأجدى والأنفع لمعالجة الجزء الأكبر من التضخم.
ما نريد أن نخلص إليه هو أن التضخم أو الغلاء آفة اقتصادية لا بد أن تكافح وتعالج بكل السبل المتاحة لآثاره السلبية وتداعياته الضاغطة على حياة ومعيشة المواطن، وفي حالة التضخم الحالي الذي نعاني منه ضمن معاناة عالمية، هناك دول تقف عاجزة عن مواجهته لقلة إمكاناتها، ودول أخرى مثل بلدنا تستطيع بما توفر لها من قدرات أن تحد منه بقدر كبير، فليس المطلوب ألا نتأثر من موجة الغلاء العالمية إلا إذا كنا نعيش في كوكب آخر غير الأرض، ولكن بالإمكان الحد من وطأته بقدر يخفف منه بشيء من الإجراءات الاقتصادية التي نملك ـ ولله الحمد ـ أدواتها، إلا أن ذلك ليس متوقعا ونحن نقرأ بذهول التقرير السنوي لوزارة التجارة والصناعة يبشر بأن أسعار المواد الغذائية سترتفع بين 20 و30 في المائة خلال عام 1429هـ، وكأن ذلك ضوء أخضر للتجار لرفع الأسعار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي