تقييم دولي: الاقتصاد السعودي يملك مقومات لامتصاص التضخم
اعتبر تقرير مصرفي أجنبي أن الاقتصاد السعودي يملك مقومات لامتصاص التضخم الذي سجل بنهاية آب (أغسطس) الماضي معدلا نسبته 4.4 في المائة. وحدد التقرير المقومات في السياسة النقدية تحديدا في هذا المرحلة.
وقال التقرير الذي أصدره بنك جولدمان ساكس الأمريكي, إن مؤسسة النقد السعودي لديها "بعض المجال للمناورة في هذا المقام، وربما لن تختار اتخاذ خطوة كبيرة في السياسة النقدية". وكان حمد السياري محافظ مؤسسة النقد العربي السعودية قد أعلن قبل أسبوعين تقريبا أنه لا نية لإجراء أي تعديل في السياسة النقدية وسعر صرف الريال, مشيرا في الوقت ذاته إلى أن رفع الفائدة أو خفضها على الريال لا يقتفي بالضرورة أثر فائدة الدولار بل يستند إلى متطلبات الاقتصاد الوطني.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
ألمح تقريران صادران عن أحد المصارف الأمريكية أن البنوك المركزية الخليجية قد تجد نفسها تتحرك نحو تبني منهج الكويت وتربط عملاتها بسلات عملات مركبة وقابلة للتعديل. وقدم بنك جولدمان ساكس تحذيرا مبطنا بأنه لكي تستطيع الدول الخليجية استدامة "ارتباط عملاتها بالدولار فإنه ينبغي عليها أن تبقي أسعار الفائدة الأساسية لديها موازية بصورة عامة لأسعار الفائدة الأمريكية"، إلا أن التضخم سيرتفع مع تخفيض أسعار الفائدة، بينما يؤدي الخيار الآخر بعدم اقتفاء أثر بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى توسع الفجوة في أسعار الفائدة وسيزيد من حدة الضغوط لرفع أسعار صرف عملاتها، وبالتالي ستصل إلى مأزق في السياسة النقدية.
ويقول الباحث الاقتصادي أهميت أكارلي "إننا نرى أن التعديلات في ارتباط العملات بالدولار جاءت في غير وقتها في سياق اقتصاد عالمي يتوجه بسرعة نحو العولمة ومدفوع ببلدان بريكس، ونشك في نوعيات الارتباط الاسمي بالنسبة لمنطقة الخليج". وعن الوضع في السعودية, يقول مؤلف التقرير إنه في ظل أوضاع التضخم الحالية فإن مؤسسة النقد لديها "بعض المجال للمناورة في هذا المقام، وربما لن تختار اتخاذ خطوة كبيرة من حيث السياسة النقدية، وسط قدر كبير من عدم اليقين في السوق العالمية". "الاقتصادية" تنشر التقريرين اللذين أصدرهما بنك جولدمان ساكس. إلى التفاصيل:
منذ فترة ليست بالقصيرة، جادلنا بأن أوضاع الارتباط الحالي بين عملات بلدان مجلس التعاون الخليجي والدولار لا يمكن استدامتها، وأن المنطقة سيتعين عليها أن تتحرك في سبيل نظام أكثر مرونة من أسعار الصرف.
إن التطورات الحديثة في الولايات المتحدة، وكذلك في أسواق الطاقة كان من شأنها زيادة حدة مشكلات السياسة النقدية للبنوك المركزية في بلدان المجلس، وزادت من إمكانية تعديل الارتباط، خصوصاً في دولتي الإمارات وقطر، وكلتاهما تكافحان بصورة قوية الضغوط التضخمية. وبالمثل فإن السلطات الكويتية يمكن أن تسمح بالمزيد من الزيادة في سعر صرف الدينار، استجابة للضعف الأخير في الدولار.
ونعتقد بصورة أساسية أنه لا يمكن التوفيق بين هدف استقرار الأسعار وهدف استقرار العملة، بالنظر إلى الأوضاع المناسبة في التجارة والنمو السريع للإنفاق العام، ولا بد من تأثر أحدهما في نهاية الأمر.
حتى الآن سمحت البنوك المركزية في المنطقة بالتضخم، حيث إنها كانت غير راغبة في التخلي عن الارتباط الحالي بين عملاتها وبين الدولار، الذي خدم كأساس اسمي متين. كما أن الحكومات الإقليمية كانت كذلك إما غير راغبة وإما غير قادرة على فرض قيود معقولة في المالية العامة، حيث إن مشكلة العزل التي نتجت فيما بعد أشعلت حمى الضغوط التضخمية، خصوصاً في الاقتصادين اللذين يشهدان تنوعاً سريعاً، وهما اقتصادا دولتي الإمارات وقطر، حيث ارتفعت المعدلات الرسمية للتضخم في الفترة الأخيرة إلى 15 في المائة، ولكن الضغوط على البنوك المركزية في المنطقة ازدادت بشدة خلال الأشهر الأخيرة.
أولاً، ازدادت حدة ضغط التسعير الهيكلي في أسواق الطاقة العالمية، ما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط. وفي الفترة الأخيرة عدل فريق السلع في بنكنا توقعاته حول أسعار النفط، ويرى الفريق أن متوسط سعر خام غرب تكساس سيصل إلى 85 دولاراً للبرميل عام 2008. وفي حال تساوي جميع العوامل الأخرى، فإن هذا يتضمن حدوث مزيد من التحسين في تجارة المجلس، وهو أمر ما لم يتم موازنته بشيء من التحفظ في مجال المالية العامة من حيث فرض قيود على ارتفاع قيمة العملة، فإن ذلك سيجعل الأمور تسير في اتجاه المزيد من التضخم.
ثانياً، تظل البيئة العالمية في وضع تدني أسعار الدولار، حيث من المتوقع أن يتباطأ الاقتصاد الأمريكي نتيجة للمشكلات في قطاع الإسكان، وستستورد منطقة الخليج بعض التضخم نتيجة ضعف الدولار، وهو عامل اضطر السلطات الكويتية في الفترة الأخيرة إلى التخلي عن ربط عملتها بالدولار، ما أتاح الفرصة للمزيد من المرونة في سعر الصرف، ما أنشأ سلة عملات مركبة في مقابل الدينار الكويتي.
أخيراً، فإن فريق بنك جولدمان ساكس المختص في الاقتصاد الأمريكي يتوقع أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة مرة أخرى بمعدل 75 نقطة أساس ليصل سعر الفائدة إلى 4 في المائة بحلول أوائل العام المقبل، وهذا يشكل تحدياً هائلاً بالنسبة للبنوك المركزية في بلدان المجلس، فحتى تستطيع البنوك المركزية استدامة ارتباط عملاتها بالدولار فإنه ينبغي عليها أن تبقي أسعار الفائدة الأساسية لديها موازية بصورة عامة لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة، ولكن التضخم العالي يعني أن أسعار الفائدة الحقيقية منذ الآن سالبة في بلدان المجلس، وبالتالي فإن المزيد من التخفيض في أسعار الفائدة الأساسية في المنطقة لن يكون من شأنه إلا دفع التضخم إلى الأعلى.
من جانب آخر، فإذا لم تقتف البنوك المركزية الخليجية أثر بنك الاحتياطي الفيدرالي، فإن هذا سيؤدي إلى توسع الفجوة في أسعار الفائدة وسيزيد من حدة الضغوط لرفع أسعار صرف عملاتها، وبالتالي ستصل إلى مأزق في السياسة النقدية.
ولكن من الواضح أن اقتران ارتفاع سعر النفط وضعف الدولار وتيسير أسعار الفائدة في البنك المركزي الأمريكي والضغوط التضخمية المتصاعدة ستجعل من الصعب بصورة متزايدة على أكبر دولتين من حيث الإنفاق في المنطقة، وهما الإمارات وقطر، التمسك بارتباط عملتيهما بالدولار. ونعتقد أن إمكانية رفع سعر الصرف قد ازدادت بعد الأحداث الأخيرة في الأسواق الأمريكية وأسواق الطاقة العالمية، رغم أن من الصعب تماماً معرفة التوقيت الدقيق لاحتمال اتخاذ إجراء بهذا الشأن.
عدم اقتفاء أثر مؤسسة النقد للقرار الأمريكي
كما توقعنا فإن السلطات السعودية غير راغبة في فك ارتباط الريال بالدولار والسماح بنوع من الازدياد التدريجي في قيمة العملة للحد من الضغوط التضخمية المحلية في هذه المرحلة. ولعل التبادل بين ارتفاع معدلات التضخم وبين تغيير سعر الصرف لن يكون كبيراً بما يكفي بالنسبة للسلطات السعودية، أو على الأقل ليس حتى الآن.
لاحظ أن المهم في الأمر هو أن التضخم في المملكة ارتفع بصورة طفيفة في الأشهر الأخيرة، وهو يبلغ الآن معدلاً منخفضاً نسبياً مقداره 3.8 في المائة، وهو معدل يقل عن النسبة الموجودة في الكويت وهي 5.5 في المائة، و9.5 في المائة في الإمارات، و11.5 في المائة في قطر، ولكن الأهم من ذلك هو أن ارتفاع التضخم حتى الآن مدفوع بالدرجة الأولى بارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 5.9 في المائة سنويا، خلال الفترة نفسها من سنة إلى سنة، ما رفع مؤشر الأسعار الاستهلاكية بنسبة 1.9 في المائة تقريباً، وارتفاع مقداره 7.7 في المائة (خلال الفترة نفسها من السنة) في أجور المساكن وأسعار المنافع المنزلية الأخرى، ما رفع من مؤشر الأسعار الاستهلاكية بنسبة إضافية مقدارها 1.6 في المائة.
ولكن بالنسبة للقطاعات الأخرى فإن التضخم "مقيساً خلال الفترة نفسها من سنة إلى سنة" في القطاع القابل للمتاجرة "الملابس سالب 2.4 في المائة، الأثاث المنزلي 0.9 في المائة"، وفي الخدمات "التعليم سالب 0.3 في المائة، والنقل والاتصالات 1.3 في المائة" يظل محدوداً نسبياً، وبالتالي فإن "ساما" لديها بعض المجال للمناورة في هذا المقام، وربما لن تختار اتخاذ خطوة كبيرة من حيث السياسة النقدية، وسط قدر كبير من عدم اليقين في السوق العالمية، خصوصاً في وقت هبط فيه سعر تداول الدولار إلى أدنى مستوياته أمام العملات الرئيسية (لاحظ أننا توقعنا أن يكون سعر صرف الدولار في مقابل اليورو هو 1.43 و 1.43 و 1.35 على مدى فترات مقدارها ثلاثة أشهر وستة أشهر و12 شهراً، لذلك فإننا نتوقع أن تبقى السلطات السعودية في حالة انتظار وأن ترصد عن كثب تطورات السوق العالمية واتجاهات التضخم المحلي في الوقت الحاضر.
بعد ذلك، نقول إننا نواصل الاحتفاظ بوجهة نظرنا التي نراها منذ فترة طويلة التي تقول إن الارتباط الحالي بين عملات دول مجلس التعاون الخليجي وبين الدولار لن تكون مستدامة على الأمد الطويل، وإنه في سياق التنوع الاقتصادي السريع والتكامل المتزايد مع الاقتصاد العالمي (خصوصاً مع البلدان سريعة التطور في مجموعة بريكس BRICs ومجموعة البلدان الـ 11) فإنه سيصبح من الصعب بصورة متزايدة على البنوك المركزية في المنطقة التوفيق بين هدف استقرار العملات وهدف استقرار الأسعار.
بعبارة أخرى، فإننا نرى أن التعديلات في ارتباط العملات بالدولار جاءت في غير وقتها في سياق اقتصاد عالمي يتوجه بسرعة نحو العولمة ومدفوع ببلدان بريكس، ونشك في نوعيات الارتباط الاسمي بالنسبة لمنطقة الخليج.
لذلك فإننا نواصل الاعتقاد أن اقتصادات بلدان مجلس التعاون الخليجي سيتعين عليها أن تتحرك باتجاه سلات عملات مركبة وقابلة للتعديل، ما يتيح لها مزيداً من المرونة في السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف، ربما على غرار التجربة الحديثة في الكويت.
من المستحيل الآن أن نعلم على وجه اليقين توقيت وحجم التحركات التي ستقوم بها بلدان المجلس بالنسبة للعملات، ولكن كما ذكرنا فإن التطورات الحديثة في الاقتصاد العالمي لم يكن من شأنها إلا تعقيد الأمور بالنسبة للبنوك المركزية لبلدان المجلس. كما أن دورة التساهل النقدي لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي زادت من إمكانية القيام بإجراءات خاصة معدلة في العملات في جميع أرجاء منطقة الخليج على غرار ما فعلت الكويت، خصوصاً في الاقتصادات سريعة التنويع في الإمارات وقطر، حيث (أ) يجري التضخم بمعدلات في حدود خانتين أو قريباً منها منذ فترة لا بأس بها، (ب) التضخم عام ولا يرتبط بسلع معينة، حيث يسري على القطاعات القابلة للمتاجرة وغير القابلة للمتاجرة، (ج) بدأت الأجور برد الفعل على الضغوط التضخمية المتصاعدة، مظهرة تدهوراً أساسياً في التوقعات التضخمية.
أخيراً، إذا قررت الحكومة السعودية، لسبب أو آخر، أن التبادل بين التضخم وبين تعديل ارتباط الريال بالدولار أصبح كبيراً بما يكفي لاتخاذ إجراء سريع على غرار ما فعلت الكويت، فإن هذا سيشعل بالتأكيد موجة من الإجراءات المتعلقة بالعملات في جميع أرجاء منطقة الخليج، وستجد دولتا الإمارات وقطر أنه سيكون في حكم المستحيل بالنسبة إليهما مقاومة الضغط لرفع سعر الصرف، بشقيه الحقيقي والمضارب. وربما تقتفي الكويت الإجراء نفسه من خلال تسريع وتيرة زيادة سعر الصرف على نحو تدريجي.