الشركات الصغيرة والمتوسطة على درب النمو وصنع الوظائف
الشركات الصغيرة والمتوسطة بطبيعتها متواضعة في حجمها، إلا أنها تلعب دورا هائلا في البلدان النامية، حيث توفر ما يقرب من نصف الوظائف، وتمثل مصدرا للغالبية العظمى من الوظائف الجديدة، وكثيرا ما تكون أقل إنتاجية عن الشركات الكبيرة؛ لذا فإن الإجراءات التي تقلص فجوة الإنتاجية هذه، وتعزز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، يمكن أن تُترجَم مباشرة إلى مكاسب أكبر للأسر محدودة الدخل.
هذا هو السبب في دعم البنك الدولي وشركائه لطائفة من البرامج -بدءا من تسريع إجراءات تسجيل الشركات، إلى إنشاء سجلات للضمانات العينية- وذلك لمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة، إلا أنه حتى وقت قريب، لم تكن هناك سوى شواهد واهية حول التدابير التي أثبتت نجاحها، وتلك التي لا تصلح. بيد أن مجموعة من البحوث الجديدة التي أجريت في المكسيك وجورجيا والبوسنة وبلدان أخرى، أحدثت ثورة في الطريقة التي يدعم بها شركاء التنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، نظم البنك الدولي ندوة عن بحوث السياسات لعرض عديد من أحدث النتائج.
وتواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة قيودا تكبل النمو أكبر ما تواجهه الشركات الأكبر حجما، سواء جاءت هذه القيود في شكل الحصول على التمويل، أو القوانين أو الفساد. ونظرا لأننا لسنا مهتمين فقط بإيجاد صناعة الوظائف الجديدة، بل أيضا بإيجاد وظائف أعلى جودة، فإننا مهتمون للغاية بالسياسات التي تشجع الشركات الصغيرة والمتوسطة".
وإذا تمت المقارنة بين أساليب البنك الدولي لتشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة من ثلاثة جوانب يطرح من خلالها البحث رؤية جديدة، وهي: إصلاح اللوائح التنظيمية، وتسهيل سبل الحصول على التمويل، وممارسات الأعمال التجارية.
وهنا سؤال يطرح: "أين ستؤتي الأموال المقدمة لبرامج الشركات الصغيرة والمتوسطة أعظم الثمار لكل دولار يتم إنفاقه؟ هذا هو ما نود أن نركز عليه جهودنا".
وفي مجال اللوائح التنظيمية، ركزت الحكومات جل اهتمامها على تبسيط إجراءات تسجيل الشركات، وبلغ متوسط عدد الإصلاحات التي سجلها تقرير ممارسة أنشطة الأعمال سنويا على مدى السنوات الخمس الماضية في هذا المجال 46 إصلاحا. والغاية من ذلك أن الشركات العاملة في القطاع غير الرسمي، والصغيرة في أغلبها، ستصحح أوضاعها وتنضوي تحت راية القطاع الرسمي، وقد تنمو بمجرد إزالة حواجز الدخول أمامها.
ومع هذا، وجدت في دراسة لأحد إصلاحات تسجيل الشركات في المكسيك، نتائج متباينة. ففي الوقت الذي زاد فيه عدد الشركات غير الرسمية التي تم تسجيلها، لم تحدث أي زيادة في الدخل، وبقي 85 في المائة من الشركات غير الرسمية على وضعه غير الرسمي. وتشير النتائج إلى أن ثمة عقبات أخرى تحول دون انضمام هذه الشركات إلى القطاع الرسمي.
كما أن الضرائب كجانب آخر من اللوائح التنظيمية التي تستحق اهتمام القائمين على الإصلاح. وخلافا لتسجيل الشركات الذي يفرض رسما يدفع مرة واحدة، فإن الضرائب متكررة، ومن ثم قد تشكل عقبة أكبر أمام دخول هذه الشركات إلى الاقتصاد الرسمي. وقد عمل البنك الدولي مع حكومة جورجيا لاختبار هذه الفرضية، من خلال وضع نظام ضريبي خاص للشركات الصغيرة والمتوسطة في جورجيا، مع تبسيط الإجراءات وتخفيض أسعار الضريبة. وبعد تطبيق هذا الإصلاح، شهدت مصلحة الضرائب الجورجية قفزة في عدد الشركات التي سجلت 40 في المائة. ومع هذا، فإن التنبيه إلى ضرورة تحقيق التوازن بين المزايا الكبيرة التي تتمتع بها الشركات الصغيرة والمتوسطة وبين التأثير السلبي المحتمل في الإيرادات الضريبية.
وتشير شواهد جديدة من المكسيك إلى الأهمية الكبرى لإتاحة التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة لكي تزدهر. عندما فتح بنك أزتيكا المكسيكي 800 فرع جديد له في مختلف أنحاء المكسيك، شهدت الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلديات، التي أصبح للبنك فيها فرع، زيادة ملحوظة في الوظائف والدخل. وبالنسبة للبلدان التي تتطلع إلى الحصول على التمويل، أشارت بروهن إلى مجموعة من الشواهد والدلائل المادية التي تؤكد أن بوسع مكاتب الاستعلام الائتماني أن تزيد التيسير على الشركات الصغيرة والمتوسطة في الحصول على القروض.
كما أن الممارسات التجارية تعد واحدة من العوامل الحاسمة في نجاح الشركات الصغيرة والمتوسطة. وقد حصل الملايين على دورات تدريبية في مجال الأعمال التجارية، كبرنامج "ابدأ وحسن نشاطك"، الذي أطلقته منظمة العمل الدولية، لكن التجارب الموجهة القائمة على عينات عشوائية لهذه الدورات في البوسنة ومناطق أخرى رصدت تأثيرا ضئيلا لهذه الدورات في مستوى الأداء في ممارسة النشاط.
وبدلا من ذلك، تشير الشواهد إلى قيمة الإجراءات التدخلية الأكثر تكلفة، والمصممة خصيصا لكل حالة على حدة، كالخدمات الاستشارية. وقد قدم أحد البرامج في المكسيك خدمات استشارية لمدة عام لإدارة الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومن ثم رصد زيادة 50 في المائة في عدد الموظفين وفي مستوى الأجور فيما بين الشركات التي خضعت للتجربة.
وأخيرا فإن المكاسب التي يدرها دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة تتجاوز الوظائف. وأوضح قائلا، "إنها تسهم في النمو، وتساعد على تنويع أنشطة الاقتصاد، وتقديم الابتكار، وتوفير السلع للقاعدة الشعبية، والمساعدة على تمكين الشباب والمرأة من أسباب القوة".