رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


الثورة الصناعية الرابعة وسوق العمل

«إذا قالت حذام فصدقوها فإن القول ما قالت حذام»، بيت شعر أضحى مثلا بالقول الفصل الذي يكتسب مصداقيته من صاحبه الذي لا يعرف عنه الخطل ولا الزلل، ومختصر قصة هذا البيت من الشعر أن عاطس بن الجلاح الحميري سار إلى قوم حذام بنت الريان بن خسر بن تميم فطار القطا من وقع جيشه فمرت قوم حذام قطعا قطعا فخرجت حذام إلى قومها فقالت "ألا يا قومنا ارتحلوا وسيروا فلو ترك القطا ليلا لنام" فقال زوجها الشاعر لجيم بن صعب بن بكر بن وائل بيت الشعر هذا فارتحلوا حتى اعتصموا بالجبل، ويئس منهم أصحاب عاطس فرجعوا.
وقياسا على ذلك أقول "إذا قال كلاوس شواب فصدقوه فالقول ما قاله كلاوس"، وإذا صدقتموه فاعملوا كي تنجوا من التحولات التي يتوقعها وربما يدفع باتجاهها في كتابه "الثورة الصناعية الرابعة" الذي أصدره هذا العام "2016م"، ذلك أن كلاوس شواب هو رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ـــ المنظمة الدولية التي تعنى بالتعاون بين القطاعين العام والخاص ـــ ومؤتمره السنوي الذي يعقد في دافوس السويسرية والمعروف اختصارا بمنتدى دافواس، ويشارك فيه سنويا أبرز قادة العالم وقطاع الأعمال وقادة المجتمع لصياغة جدول الأعمال على المستوى العالمي والإقليمي والصناعي.
نعم صدقوه فكلاوس كما يبدو لي لا يمثل نفسه وإنما يمثل بارونات السياسة والاقتصاد ومن وراءهم، وهم البارونات الذين يصيغون الأجندات السياسية والاقتصادية للعالم وللأقاليم، ويوجهون الاستثمارات لتحقيق أهدافهم ومصالحهم ومنها سيطرة القلة المستحوذة على المال والتقنية على الكثرة في العالم أينما كانت وهو ما نرى بوادره واضحة للعيان.
وصدقوه لأنه كما يقول في كتابه إن موقعه كرئيس لمنتدى الاقتصاد العالمي مكنه من استخلاص الكثير من المعلومات، والتحليلات الخاصة به على أساس مشاريع قائمة ومبادرات خاصة بالمنتدى التي تم تطويرها ومناقشتها واستعراض تحدياتها في اجتماعات المنتدى، ولعلي أضيف أن موقعه ربما مكنه من وضع المبادرات واقتراح المشاريع والدفع باتجاهات تخدم مصالح البارونات السياسية والاقتصادية، وبالتالي فما يقوله يجب فهمه بعمق وأخذه على محمل الجد واستشراف المستقبل من خلاله والتخطيط لما يطرحه من تغيرات مستقبلية يدعي أنه استشرفها في حين أنه قد يكون أسهم في صناعتها.
ماذا قال كلاوس؟ باختصار يقول كلاوس إن ثورة صناعية رابعة على الأعتاب، وإنها ستؤدي إلى تغيير مفاجئ وجذري وسريع في النظم الاقتصادية والبنى الاجتماعية، وإنها بدأت في مطلع هذا القرن معتمدة على الثورة الرقمية، وإنها ستكون أكثر شمولية وتعتمد على الإنترنت المتحرك، وتطور أجهزة الاستشعار لتصبح أكثر قوة وأقل سعرا، وستعتمد على الذكاء الصناعي والتحول الآلي، مؤكدا أن هذه الثورة نطاقها أوسع من آلات وأنظمة ذكية متصلة، فنطاقها أوسع من ذلك بكثير، وتسهم في تحقيق إنجازات كبيرة في مجالات تراوح بين السلاسل الجينية وتقنية النانو، وبين الطاقة المتجددة والحوسبة الكمية، كما أن الاندماج بين تلك التقنيات وتفاعلها عبر المجالات المادية والرقمية والبيولوجية سيجعل هذه الثورة مختلفة عن سابقاتها.
يؤكد كلاوس أيضا أن هذه الثورة في حجمها وتأثيرها وتعقيدها لا تشبه أي تجربة عاشتها البشرية وهو ما نلاحظه حاليا في المال الرقمي، والموسيقى الرقمية، والطب الرقمي الذي سيعيد تشكيل المنظومة الصحية بشكل لا يتصوره أحد، ولذلك علينا التفكير بالتلاحم المذهل للتقنيات الناشئة التي تشمل ميادين واسعة كالذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء، والمركبات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد وتقنية النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وعلم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية وغيرها الكثير، وعلينا التفكير بالابتكارات التي بلغت نقطة انعطاف في عملية التطور في هذه المجالات، وما نشهده وما سوف نشهده من تحولات بارزة على صعيد مختلف الصناعات التي تتمثل في ظهور أنماط أعمال جديدة وفي اضطرابات اقتصادية عدة، وفي إعادة تشكيل الإنتاج والاستهلاك ووسائل المواصلات وأنظمة التسليم.
ولذلك يدعو كلاوس لامتلاك رؤية شاملة تتمحور حول قدرة التقنية على إحداث تغيير في أنماط حياتنا، والتأثير في الأجيال القادمة، والأساليب التي ستعيد الثورة الصناعية الرابعة من خلالها تشكيل الاقتصاد والثقافة وحياتنا الاجتماعية، وأن يتحول صناع القرار من أنماط التفكير التقليدية الرتيبة "غير الثورية" إلى التفكير الاستراتيجي بقوى الابتكار والاضطرابات التي تشكل المستقبل.
مثال بسيط يهمني ويتعلق بعنوان المقال طرحه كلاوس لتأثير تغييرات الثورة السابقة "الصناعية الثالثة" أو ثورة الحاسوب في حجم الوظائف اللازمة لقيمة سوقية أعلى وللعوائد ذاتها تقريبا نتيجة الثورة الثالثة، حيث قارن بين وضع ديترويت في عام 1990 ووضعها بعد 24 عاما بعد أن أصبحت مركزا رئيسا للصناعات التقليدية بوادي السيلكون في عام 2014، ففي عام 1990 كانت القيمة السوقية لأكثر ثلاث شركات في ديترويت مجتمعة 36 مليار دولار وعوائدها 250 مليار دولار وتملك 1.2 مليون موظف، أما في عام 2014م فقد امتلكت أكثر ثلاث شركات في وادي السيلكون مجتمعة قيمة سوقية بلغت 1.09 تريليون دولار بعوائد 247 مليار دولار ولكن بعدد موظفين أقل بمعدل عشر مرات (137 ألف موظف).
إذا كان الوضع كذلك قبل تعمق وتسارع طرح منتجات الثورة الرقمية الرابعة بشكل واسع في منافسة تشكل الابتكارات المتسارعة وواسعة النطاق ساحتها الرئيسة فكيف بالمستقبل إذا توسعنا في الذكاء الصناعي في السيارات ذاتية القيادة والطائرات من دون طيار، والروبوتات التي ستقوم بأدوار وعمليات معقدة بشكل دقيق، بكل تأكيد سنكون أمام مفاجآت من العيار الثقيل.
ختاما كما أدعو جميع المسؤولين إلى التعرف على ملامح الثورة الصناعية الرابعة وتجلياتها المادية والرقمية والبيولوجية وآثارها الهائلة والمذهلة فإنني أدعو المسؤولين عن سوق العمل بشكل أكثر خصوصية إلى استشراف مستقبل الوظائف كما ونوعا نتيجة لهذه الثورة ومن ثم الاستعداد للتعاطي الفعال معها دون تسويف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي