علاقة المستثمرين بالشركات المالية الكبرى
صنف مجلس الاستقرار المالي منذ الأزمة المالية العالمية 30 مصرفا وتسع شركات تأمين على أنها "مؤسسات مالية ذات أهمية" أو "أكبر من أن تفشل"، وأكد أنها تعتمد معايير عالية من الدقة في تطبيق اللوائح. ولأكثر من 12 شهرا درس وضع مديري الشركات الكبرى ذات الأصول الكبيرة مثل "بلاك روك" تحت أنظمة مماثلة، لكن تم التراجع عن هذا الموقف، وذلك تماشيا مع المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO) التي تعتبر أن التركيز على فهم المخاطر المحدقة بالقطاع ككل أكثر أهمية من القلق حيال شركات كبيرة بعينها. وبنوا قرارهم هذا بناء على فرضية أنه على خلاف المصارف يتم احتساب القروض والودائع ضمن ميزانية الشركة كأصول وديون، فشركة بلاك روك ومثيلاتها مجرد مديرين لأموال الآخرين. وعلى هذا النحو، يتحكم مديرو الأصول في الاستثمارات بالنيابة عن الآخرين. وعلى نقيض المصارف التي تستفيد من الأموال المودعة، يستثمر مديرو الأصول فقط الموارد المالية التي يتلقونها من المستثمرين، وفي حال فشل الاستثمار، تخسر الأموال دون أن يكون هناك تأثير في السوق المرتبطة بإدارة الأصول. بحسب "الإيكونوميست" يشجع وجود لاعب كبير في عالم المال على إيجاد بيئة مالية صحية، حيث يختار المسؤول أصولا بأسعار زهيدة من البائعين المضطرين، وهذا يساعد بدوره على استقرار السوق بدلا من زعزعتها، وعلى ما يبدو أنهم على صواب. ومع ذلك، يؤخذ على هذه النظرية أنها لا تأخذ بعين الاعتبار تأثير وجود شركة واسعة الانتشار مثل بلاك روك في اللاعبين الآخرين في عالم المال.
تبين أن الملكية المركزة قد تؤدي إلى الهشاشة في عالم المال، في حين لا يوجد كثير من الأدلة على التأثير المتوقع للتغير بنسبة الملكية في سلوك المستثمرين الآخرين في السوق.
درست وكل من زملائي ديفيد شوماخر أستاذ مساعد في المالية في جامعة ماك جيل، ويان وانج أستاذ مساعد في جامعة إيراسموس تأثير استحواذ شركة بلاك روك في 2009 لشركة باركليز جلوبال إنفسترز (BGI) على مجمل قطاع الأسهم على مستوى العالم. وكانت صفقة ضخمة في قطاع يؤثر بشكل مباشر في سوق الأوراق المالية ويمثل أكثر من 60 في المائة من القيمة السوقية للأسواق العالمية.
أخذت أبحاثنا بعين الاعتبار اثنتين من الفرضيات المتناقضة أولاهما أن زيادة تركيز الملكية ستعطي انطباعا إيجابيا عن جودة الأصول التي يتم شراؤها، وهو ما يزيد الاهتمام بالأوراق المالية، وبالتالي زيادة السيولة ورفع سعر السهم. تأخذ الفرضية الثانية احتمال أن يثير تركيز الملكية قلق المستثمرين، بسبب التأثير السلبي المحتمل في سعر السهم، إذا ما تعرضت شركة بلاك روك لمشكلة مفاجئة تسببت في بيع ملكية أسهمها، أو إذا ما بادر المستثمرون ببيع أسهمهم ما سيحمل المساهمين الآخرين على أن يحذوا حذوهم.
أثبتت الفرضية الثانية صحتها، وبنظرة معمقة على البيانات المتوافرة، وجدنا انصراف بعض المستثمرين عن الأوراق المالية التي ترتفع فيها حصة بلاك روك بعد استحواذها على (BGI)، وتحولوا نحو أسهم مماثلة لا تتملك فيها (BGI) قبل الاندماج. شهدت الأسهم التي صاحبتها زيادة كبيرة في تركيز ملكية بلاك روك بسبب الاندماج عوائد سلبية، وأصبحت أقل سيولة وتقلبا بشكل مستمر. وهذا يشير إلى ضرورة امتلاك نظرة شاملة عند دراسة احتمالات المخاطر في السوق.
يتحكم مديرو الأصول العملاقة مثل بلاك روك في استثماراتهم، لكنهم لا يستطيعون التحكم في كيفية إدارة المستثمرين الآخرين لأموالهم. ولكن يظل وجودهم ضروريا ومهما حتى بوجود المخاطر التي لا يمكن تجنبها.