سياسات الطاقة الأمريكية الجديدة

تأتي الولايات المتحدة كثاني منتج ومستهلك للطاقة في العالم، ولكنها تتصدر جميع الدول في استهلاك وإنتاج سوائل الطاقة. وتحتل شركات الطاقة الأمريكية صدارة شركات الطاقة الخاصة العالمية، كما تمتلك وتطور أحدث تقنيات الطاقة. وتتزعم أمريكا أبرز مستهلكي الطاقة العالمية المتمثلة في الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية، وتلعب دورا بارزا في الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالطاقة وأبرزها اتفاقيات المناخ العالمية. ولهذا تؤثر سياسات الطاقة الأمريكية بقوة في متغيرات الطاقة العالمية خصوصا أسواق النفط. وترتفع حساسية أسعار النفط لأي تغيرات في الإمدادات أو الطلب.
دعا الرئيس الأمريكي المنتخب خلال حملته الانتخابية إلى تغيير سياسات الطاقة الأمريكية واقترح عددا من الإجراءات والسياسات. ويأتي إلغاء القيود المفروضة على إنتاج الطاقة في مقدمة مقترحات الرئيس المنتخب، والمقصود هنا هو التخلي عن القيود البيئية التي تحد من تلويث إنتاج واستهلاك الطاقة للبيئة. ولا يؤمن الرئيس المنتخب بصحة تأثير انبعاثات الغازات الدفيئة في حرارة المناخ، ولهذا يعارض انضمام الولايات المتحدة إلى اتفاقيات المناخ العالمية التي يرى أنها تسبب الأذى لصناعة الطاقة الأمريكية، كما يعارض بشدة ما تتضمنه من ضرورة تقديم مساعدات للدول النامية لتمكينها من خفض انبعاثات الكربون. ومن أبرز ملامح سياسات الطاقة الأمريكية الجديدة فتح الأراضي الفيدرالية لامتيازات شركات النفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري. ويؤيد الرئيس المنتخب مشاريع التوسع في شبكات الأنابيب التي تحظى بمعارضة بارزة من جماعات حماية البيئة. ويرى الرئيس الأمريكي أن تشجيع إنتاج مصادر الطاقة سيمكن الولايات المتحدة من الاكتفاء ذاتيا عن العالم الخارجي لأنها تملك في اعتقاده احتياطيات نفط وغاز وفحم تفوق أي دولة في العالم. ويتصور أن خطته لتشجيع إنتاج الطاقة ستضيف 700 مليار دولار سنويا إلى الناتج المحلي الأمريكي لأكثر من 30 سنة، وأنها ستوفر ملايين الأعمال الإضافية وتريليونات الدولارات من الإيرادات الضريبية.
من السهل وضع التكهنات والتوقعات المبهجة، ولكن تحقيقها ليس بالأمر الهين الذي يمكن إحداثه من خلال آمال وسياسات محدودة. إن ظهور تأثير ملموس لسياسات الطاقة الجديدة في السوق الأمريكية سيستغرق زمنا طويلا، كما يتطلب صحة ودقة فرضيات التوقعات خصوصا المتعلقة بأحجام الاحتياطيات وتكاليف استخراجها. ويستغرق تنفيذ مشاريع الطاقة وقتا طويلا يزيد على عشر سنوات وتستثنى من ذلك مشاريع نقل الطاقة كخطوط الأنابيب التي يمكن إنجازها في عدة سنوات. ومن المتوقع أن تساعد سياسات الطاقة الجديدة على استكمال مد أنابيب كيستون الذي يواجه معارضة حادة من الجماعات البيئية. من جهة أخرى تهدد قيود ترمب المقترحة على التجارة العالمية صادرات الطاقة الأمريكية خصوصا الفحم والغاز الطبيعي إلى المكسيك وأوروبا والصين، وقد يدفع تشدده تجاه المكسيك إلى وقف مشروع أنابيب الغاز إليها.
يرى معظم المراقبين أن توقف ترمب عن وضع مزيد من القيود البيئية على انبعاثات الغازات الدفيئة لن يؤثر كثيرا في خطط شركات الطاقة في التحول عن خفضها، لأن معظم التأثير قد حصل بالفعل. وليس من المتوقع أيضا أن تقود فترة رئاسته إلى تغييرات جوهرية في خطط شركات الطاقة للاستثمار والتطوير. ويعود هذا لبطء التغييرات في قطاع الطاقة واستغراقها وقتا طويلا إضافة إلى أن معظم القيود والأنظمة البيئية جزء من تشريعات وقوانين مكتوبة، وليست سياسات يمكن تغييرها بين عشية وضحاها، وحتى لو أرادت الإدارة الجديدة القيام بتغييرات رئيسة، فإن البيروقراطية الحكومية والعملية السياسية ستعوق حدوثها. أما بالنسبة لسياسات فرض ضرائب الكربون في عهد ترمب فستتأخر ولكن إلغاء أو مراجعة قيود انبعاثات الملوثات ستكون صعبة المنال.
ستسهل إدارة ترمب منح تراخيص امتيازات التنقيب واستغلال موارد الطاقة من نفط وغاز طبيعي وفحم حجري في الأراضي الفيدرالية، ولكن سيكون تأثير هذا محدودا في الأمد القصير، حيث ستتعرض عمليات التأجير للمعارضة القانونية من قبل حكومات الولايات ومنظمات حماية البيئة، ما سيتسبب في إطالة فترات مناقشتها لدى المحاكم ويخفض فعاليتها في زيادة معدلات إنتاج الطاقة، خصوصا في المناطق التي يرى المدافعون عن البيئة أنها ستكون ضارة بالحياة الإنسانية أو الحيوانية أو النباتية.
ستحاول إدارة الرئيس المنتخب وقف جهود إدارة البيئة لفرض قيود على منتجي الغاز والنفط الصخري للحد من انبعاثات غاز الميثان وتلويث طبقات المياه ما قد يسمح بالاستمرار بدرجة أكبر في عمليات إنتاج النفط والغاز الصخري ويخفض تكاليف إنتاجهما، وهذا قد يكون داعما لزيادة عرض النفط والغاز الطبيعي ما قد يؤثر على سرعة تعافي أسعار النفط والغاز الصخري خلال الفترة القادمة. وعموما تستهدف خطط ترمب زيادة المعروض من الطاقة وخفض أسعارها، ولكن ليس من المتوقع أن يكون تأثيرها كبيرا خصوصا في الأمد القصير، ولكن إمكانية نجاحها ولو جزئيا سيزيد من مخاطر تقلبات الأسعار على الأمد الطويل ما قد يؤثر في حجم الاستثمارات العالمية في قطاع الطاقة. وقد تقود سياساته إلى زيادة المعروض من الغاز الطبيعي داخل الولايات المتحدة مما يهدد صناعة الغاز الطبيعي الأمريكية التي تعاني فوائض العرض وتدني الأسعار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي