الأعمال التجارية .. والمسؤولية الأخلاقية
قد لا ينسى أحد أن السنوات الماضية كانت قد شهدت أعمالا تجارية غير أخلاقية، ففي الوقت الذي كان يجري فيه تقليم أظافر روبرت ميردوخ الذي يدير المجموعة الإعلامية التي كانت تتنصت على هواتف الناس، كان متظاهرو "احتل وول ستريت" يشجبون المؤسسات المالية والشركات متعددة الجنسية لكونها مؤسسات غير مسؤولة، وغير أخلاقية، وغير جديرة بالثقة. وفي حين كانت سهام النقد توجه علانية لعديد من الشركات بسبب ممارساتها غير المحمودة، فإن شركات أخرى كانت تعمل بهدوء على اتخاذ قرارات مسؤولة، تراعي الآثار الاجتماعية والبيئية المترتبة على أفعالها. ما الخط الفاصل بين الشركات المسؤولة، والشركات غير المسؤولة؟
إن الأسباب وراء ذلك كثيرة، وإن ما يدفع الناس للتصرف بشكل سيئ، مع علمهم بذلك، هو الخوف والطمع؛ الخوف من أن تكون هنالك عواقب مزعجة لأعمالهم الصائبة، والطمع في تحقيق عوائد محتملة، من وراء ممارساتهم اللا أخلاقية. لكن ثمة عاملا آخر، وهو الجهل، وإن " قدرا متزايدا من الأبحاث يشير إلى أن لدى البشر ميلا للمبالغة في تقدير مدى ما لديهم من أخلاقيات، ويبالغون في مدى استقامتهم، وحتى استقامة أصدقائهم"، فالناس غالبا ما يتعامون عن تجاوزاتهم إلى أن يتم تنبيههم لذلك.
ثمة جهل كثير حول الأخلاق، لذلك، يجدر التساؤل ما إذا كان بالإمكان تغيير الطريقة التي تتصرف بها الشركات. هل يمكن أن تكون الأخلاق مطبوعة وليست مصنوعة؟ وأن بالإمكان جعل الشركات تتصرف بطريقة أكثر أخلاقية، لكنها عملية طويلة وشاقة، تتعلق بالثقافة التنظيمية.
وأن "إعادة تشكيل ثقافة الشركات، تتضمن دائما المنطلق الأساس نفسه، وهو أن تعيد تشكيل سلوك عدد كاف من الناس لمدة طويلة بما فيه الكفاية"، وبعبارة أخرى، إننا بتغيير سلوكنا، فإننا نغير نظامنا القيمي، وعمليات التفكير لدينا، لكن تغيير سلوك الناس لا يحدث بين ليلة وضحاها، ولكنها، تستغرق وقتا طويلا. كيف إذا تعيد الشركات تشكيل سلوكيات الناس فيها؟ والعملية على النحو الآتي: تفعيل سلسلة من الأساليب التي غالبا ما تكون ضمن صلاحيات كبار المسؤولين التنفيذيين، وتتضمن سلسلة الأساليب هذه هيكلة المؤسسة، والعمليات التي تجري في مكانها الصحيح، ومؤشرات الأداء الرئيسة، والحوافز، والمعلومات المتوافرة، وقدرات العاملين في المؤسسة. وأن نوعية الناس الذين يعملون في الشركة عامل آخر مهم، ومن المهم جدا أن توظف الأشخاص المناسبين، ويقول: "يمكننا أن ندرب لسنوات وأن نعطي حوافز للأشخاص غير المناسبين في المكان المناسب، لكنهم سيظلون أبدا غير مناسبين لهذا المكان". سلوك الإدارة العليا هو أيضا مفتاح لتغيير الثقافة. ينبغي أن تعمل كل هذه الأساليب معا لترسل رسائل متسقة وثابتة، يُمكن لها أن تُغير سلوك الناس في الشركة.
وأن هذا النهج المتمثل في إرسال رسائل قوية إلى الموظفين على مدى فترة طويلة من الزمن، هو أكثر الأساليب نجاحا في تغيير ثقافة الشركة، وقد شوهد ذلك على أرض الواقع في سلسلة متاجر تيسكو البريطانية، التي نجحت في إيجاد ثقافة قوية من حيث الاهتمام بالزبائن، والابتكار، ومشاركة الموظفين، والتميز بشكل عام. وأنهم نجحوا في ابتكار الرسائل المناسبة على نطاق واسع: "هذه شركات كانت قد وضعت رسائل قوية جدا في مكانها الصحيح، وقادمة من جميع أنحاء الشركة، وهذه الرسائل متسقة داخليا". كل واحد من هذه الإجراءات المتنوعة إجراء ذكي، لكنه ليس إجراء خارقا. إن ما يوجد التغيير الحقيقي والمستدام على المدى الطويل، هو المزيج من هذه الممارسات والعمليات، والتأكيد المتكرر على السلوك المرغوب.
وقد تمكنت تيسكو من التركيز الكبير، ولسنوات عديدة، على توليد المعلومات من أجل أن تصبح أكثر تركيزا على الزبائن وعلى الموظفين في آن معا. وقد أرسلت أيضا رسالة قوية حول أهمية المجتمعات، والمسؤولية الاجتماعية للشركات. لكن الشواهد، تشير إلى أنه في حين تستغرق ثقافة الشركة في العادة وقتا طويلا لتتطور إيجابيا، فإن فوائدها يمكن أن تزول بسرعة أكبر، إذا لم يتم تعزيزها. وأن "تعزيز التركيز على الأخلاق في المؤسسة سعيا للحصول على أداء عالي المستوى، هو رحلة دون خط للنهاية".
ومزيد من المسؤولية الأخلاقية، يكمن في الأعمال التجارية نفسها، ففي حين يلعب مسؤولو الأخلاق والامتثال دورا في ضمان أن تتصرف الأعمال التجارية أخلاقيا، فإن بإمكانهم أيضا أن يوجدوا توجها نحو العجز والسلبية في أوساط العاملين في المجال التجاري، وهذا يوجد مناخا يتوقف فيه المسؤولون التنفيذيون عن التفكير بأنفسهم فيما إذا كانت ممارساتهم التجارية أخلاقية إلى التفكير فيما إذا كانت ممارساتهم تتوافق مع النظام. وأن مسؤولي الأخلاق والامتثال، يجب أن يلعبوا دورا في مساعدة المديرين على التفكير في القضايا والتحديات الرئيسة، لكي تصبح لديهم الرغبة في القيام بما هو مناسب للمؤسسة، ومكوناتها العديدة.
* أستاذ التطوير التنظيمي في إنسياد