الاستثمار في أسهم الشركات كمحفز للابتكار
تواجه شركات الأدوية في إطار سعيها للنمو تحديا صعبا. فضغوط إيجاد خط إنتاج دواء جديد واعد والمحافظة على استمراريته تزداد بسبب مخاطر إلغاء براءات الاختراع على المنتجات الحالية، حيث تخسر فيه الشركات أسواقها لمصلحة منتجات أرخص. فعندما تعجز خطوط الإنتاج عن الحفاظ على مستويات المبيعات التي سبق أن حققتها، سينجم عن ذلك ما يعرف باسم "سقوط براءات الاختراع".
تقوم شركات الأدوية بمخاطرة كبيرة عند تطويرها أدوية جديدة. حيث وجدنا في ورقة لبرنامج إدارة الأعمال التنفيذي العالمي لكلية إنسياد، أن 40 في المائة من إنفاق شركات الأدوية على البحث والتطوير، يكون خلال المرحلة الأولى من التطوير السريري. ففرصة الاختبارات الدوائية - التي تشمل الأدوية التي هي قيد الدراسة وليست متاحة من الناحية القانونية – تبقى ضئيلة كما في المرحلة الأولى، حيث تكون أقل من واحد على عشرة لاعتماد الدواء في نهاية المطاف. وتزداد فرصها ابتداء من المرحلة الثانية فصاعدا. ولكن معدلات الاستنزاف لتطوير المنتجات داخليا لا تتحسن بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، وعلى الرغم من أن الاستثمارات في التكنولوجيا من شأنها استبعاد المنتجات التي يشك في فرص نجاحها،فإنه لم تواكب إجراءات الحصول على موافقة للأدوية الجديدة ارتفاعا في الإنفاق في مجال البحث والتطوير. فضعف أداء النموذج التقليدي للبحث والتطوير الذي يعتمد على تنمية الموارد داخل الشركة يعزى ولو بشكل جزئي إلى الغزو المعرفي والتكنولوجي لعالم العلوم. فمع اتساع المعرفة وسرعة التقنية الحيوية تحولت فكرة الابتكار لتصبح شبكة للتعلم عوضا عن كونها شأنا داخليا للشركة.
دفع ذلك شركات الأدوية إلى البحث عن طرق جديدة للاستفادة من مصادر مبتكرة لتطوير الدواء من خارج نطاق الشركة، فشاركت بشكل أكبر بمنظومة "الابتكار المفتوح"، من خلال الشراكات الخارجية مع شركات ومؤسسات بحثية أخرى، لتحديد مشاريع واعدة تسهم في مسيرتها التنموية. وعلى ما يبدو أسهم "الابتكار المفتوح" في رفع كفاءة جهود البحث والتطوير. فبحسب دراسة أجرتها شركة ديلويت، أصبحت نسبة نجاح الأدوية المقترحة الناجمة عن الابتكار المفتوح أعلى بمقدار ثلاثة أضعاف من تلك الصادرة عن قسم البحث والتطوير في الشركات.
يمكن أن يتخذ "الابتكار المفتوح" أشكالا عدة بما في ذلك الاستعانة بمصادر خارجية، وتراخيص معينة للأصول والمزيد من التحالفات في مجال البحوث. ويعد الاستثمار في الأسهم أداة لتمكين الابتكار بشكل كبير. وعادة ما يكون على هيئة استثمارات مباشرة في شركات التقنيات الحيوية الصغيرة المملوكة من القطاع الخاص. وقد شكلت تلك الاستثمارات في مراحلها الأولى أكثر من ثلث المبالغ المستثمرة في شركات التقنيات الحيوية في الولايات المتحدة في 2014، في حين كانت تشكل أقل من الخمس في 2011/2012.
ما فوائد الاستثمار في أسهم الشركات؟ ولماذا يجب النظر إليها كأحد عناصر مشروع الابتكار المفتوح؟ بمعزل عن الاستثمار في الأسهم، سيكون الابتكار المفتوح في شركات الأدوية محصورا بمجرد الحصول على ترخيص لواحد أو أكثر من الأدوية التي لا تزال قيد الدراسة، حيث تلتزم الشركة الشريكة ببرنامج بحثي بهدف تقديم عدة اقتراحات، ويكون من حق شركة الأدوية الحصول على ترخيص للمنتج ثمرة البرنامج. وعادة ما يكون في العقد المبرم اتفاق على دفع مستحقات مالية عند توقيع العقد، على أن يتم دفع المبالغ المتبقية عند الوصول إلى المرحلتين الثانية والثالثة. كما يتم دفع نسبة للشريك عن المبيعات. وفي حال قدمت شركة التقنيات الحيوية منتجا واعدا، يقع على عاتق شركة الأدوية مهمة تطوير المنتج وتسويقه. يجنب اتباع هذا النهج شركات الأدوية مخاطر الفشل عن طريق تطوير منتج حاصل على الموافقة المطلوبة، دون أن تتكبد تكاليف إضافية في حال عدم نجاحه. ويجنب الشركة أيضا الخطر المتمثل في إعادة توزيع الموارد والأفراد في حالة فشل المنتج.
تتأثر العلاقة بين الشركات المستثمرة والمستثمر فيها بعدة طرق، عندما يتعلق الأمر بحصص الأسهم عند الشراكات.
للاستثمار في شركات الأدوية، قد تكون الأسهم وسيلة للحصول على معلومات عن الوضع المالي للشركة المستثمر فيها وعملياتها، فضلا عن تعزيز علاقة الشراكة من خلال المشاركة في مجلس الإدارة و/ أو القيام بعملية الإشراف. تعتبر الهندسة المالية عاملا مهما آخر، وإن لم تكن ذات صلة بنجاح المنتج بشكل نهائي. وبحسب هيكلة صفقات الترخيص للغير، تعد تكاليف التعاقد بمنزلة نفقات تقلل صافي الربح، في حين أن الأسهم ليست كذلك، فهي تعتبر من أصول الشركة، ما يسمح لشركة الأدوية بإظهار نفقات أقل على البحث والتطوير واحتمالية زيادة حصة شركة الأدوية عن نجاح المشروع. إضافة إلى ذلك، قد تكون حصة الأسهم وسيلة لتحصين الشركة من المنافسين، وإظهار الشراكة على أنها حصرية. وأخيرا، فإن الرغبة في الاستثمار بأسهم الشركة في المشاريع المبتكرة الممولة قد يكون شرطا مسبقا لحصول شركات الأدوية على الأفكار والمواهب في بيئة بحثية تنافسية، غالبا ما يرغب فيها كبار العلماء للاحتفاظ بالأسهم عن ابتكاراتهم. على الرغم من ذلك هناك بعض الجوانب السلبية. حيث إن الاستثمار في شركات صغيرة غير مدرجة قد يجعل الحصول على السيولة النقدية أمرا صعبا. وقد تواجه مخاطر في حال تم إنهاء مشروع الشراكة أو تم التخلي عنه، وبذلك لن تخسر الشركة فقط المبالغ المستثمرة في هذا النوع من التعاقد، ولكنها ستتكبد تكاليف إضافية بسبب شطب أسهم الشركة. بسبب ذلك سيكون من الصعب على شركة الأدوية إيقاف المشاريع الخارجية المتعثرة، وإعادة البحث داخليا عن المشاريع التي تفتقر إلى الكفاءة.
يعتبر الاستثمار في الأسهم بالنسبة للشركات المستثمر فيها بمنزلة وسيلة لضمان توافقها مع الشركة المستثمرة والتزامها بتوجهاتها البحثية. وسيحفز اتباع هذا الأسلوب الشركة المستثمرة بشكل أكبر على النجاح ونمو الشركات المستثمر فيها. في الواقع.
للنظر إلى هذا النموذج من الناحية العملية، سنأخذ شركة سانوفي كمثال على إحدى كبريات الشركات العاملة في أوروبا. شكل خط إنتاج شركة سانوفي للأدوية واللقاحات من المرحلة الأولى وحتى الثالثة لتطوير المنتج سريريا في نهاية عام 2015، ما يعادل 49 في المائة من إنتاجها ثمرة الابتكار الخارجي. حيث من أصل ثمانية اقتراحات وصلت إلى المرحلة الثالثة، كان نصفها ثمرة الابتكار الخارجي من خلال التحالفات. كما هو حال عديد من الاقتراحات في المرحلتين الأولى والثانية.
يعد الاستثمار في أسهم الشركات ظاهرة متنامية لا تزال في مراحلها الأولى، ولكن تشير الأدلة المتداولة إلى أنه نموذج ناجح في الشركات التي تسعى إلى إنتاج منتجات مبتكرة.