وزير المال اللبناني: مستمرون في دعم الرغيف والطاقة
في خضم الاستحقاق الرئاسي والحركة المكثفة بين أقطاب الموالاة والمعارضة لإيجاد تسوية تسمح بالخروج من نفق الأزمة السياسية، تبرز بشكل خطير ملامح أزمة اجتماعية واقتصادية على الأبواب وتتصاعد التحذيرات من أكثر من جهة مالية محلية ودولية من التداعيات السلبية لعدم حصول انتخابات رئاسية على الواقع الاجتماعي، علماً أن طرفي الأزمة متفقان وللمرة الأولى منذ نحو عام على أن الانهيار لن يقتصر على طرف دون آخر. وأطلق أكثر من خبير اقتصادي ومالي دعوة إلى المسؤولين لتدارك الأزمة الناشئة وحل المشكلات السياسية قبل أن تتطور الأوضاع الاقتصادية إلى مرحلة صعبة.
وانعكس مناخ التوجس تردداً من جانب المستثمرين والمهتمين بالتوظيف في القطاعات المالية والعقارية والسياحية والصناعية في لبنان, وشهدت بورصة بيروت تراجعاً ملحوظاً في حركة التوظيف وذلك بانتظار بلورة الأفق السياسي. وفي الوقت نفسه, فيما كان مصرف لبنان وتحديداً في مطلع الصيف, يشتري الدولار الأمريكي من السوق، فقد باشر منذ تأجيل جلسة الانتخاب في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، تنفيذ عمليات بيع الدولار أحياناً أو عدم التدخل أحياناً وذلك حسب المناخ السياسي وتصاعد أو تراجع وتيرة سجالات الموالاة والمعارضة.
وفي هذا السياق يندرج تحذير رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل من حصول انهيار كبير في حال تعطلت الانتخابات الرئاسية. واعتبر أنه في حال انتخاب رئيسين وتشكيل حكومتين ستشهد المصارف التي ما زالت تمتلك سيولة عالية، صعوبات في التعامل مع المشكلات الناجمة لدى المواطنين والمؤسسات الاقتصادية. وأشار إلى أن الأزمة السياسية تسهم في تفويت فرصة مهمة للبنان، نتيجة توجه فورة الأسعار النفطية الراهنة وإيراداتها إلى دول أخرى في المنطقة, إضافة إلى أوروبا والولايات المتحدة.
وفيما غاب الهم الاقتصادي عن تحركات السياسيين فإن الاتحاد العمالي بدأ يهدد بإطلاق حملة شعبية للاعتراض على غلاء الأسعار والمطالبة بتصحيح الأجور التي لم تتغير منذ عام 1995. وقال غسان غصن رئيس الاتحاد في اتصال مع "الاقتصادية" إن نسبة الغلاء هي الأعلى في لبنان منذ أكثر من عشر سنوات, وهي مرشحة للارتفاع إذا ارتفعت أسعار الطاقة, واتهم المؤسسات الرسمية بالتقصير في الرقابة على أسعار السلع الاستهلاكية محذراً من زيادة الخلل الاجتماعي.
ويشار في هذا المجال إلى موجة من الغلاء سجلت في الأسواق اللبنانية مع بداية شهر رمضان المبارك وهي مرتبطة بارتفاع أسعار القمح والنفط عالميا، إضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية بفعل التقلب في سعر اليورو. في موازاة ذلك فإن بداية العام الدراسي والتداعيات الاقتصادية المترتبة على المواطنين والحكومة، شكلت عاملاً إضافياً في زيادة الأعباء المالية على المجتمع اللبناني.
وأشارت شبكة الشرق الأوسط للاستشارات الاقتصادية وقواعد المعلومات في تقريرها حول المؤشر الشهري لثقة المستهلك الصادر أخيراً، إلى تردد لدى اللبنانيين في ظل ضبابية للرؤية المستقبلية للوضع المعيشي والاقتصادي. وكشفت أن استعمال اليورو ظاهرة جديدة تؤدي إلى تآكل الأجور والقدرة الشرائية بالدولار بعد أن قضى عليها بالليرة اللبنانية. وأن أحد أهم أنواع التكلفة التي يدفعها المواطن هي ضريبة التضخم الناجمة عن ارتفاع الأسعار وما ينتج عنها من تدني القوة الشرائية للأجور ومداخيل الفئات المحدودة الدخل بشكل عام. وبالتالي فإن تراكمات ارتفاع غلاء المعيشة يؤجج التضخم وأسعار التجزئة، والتكلفة الإجمالية للمعيشة ترتفع بأسرع مما يظهره مؤشر أسعار المستهلك.
ويتأثر المؤشر اللبناني بعوامل خارجية أبرزها أسعار النفط التي تسهم في زيادة التضخم في منطقة اليورو وتدعم رفع أسعار الفائدة.
وزير المال الدكتور جهاد أزعور أوضح لـ "الاقتصادية" أن ارتفاع أسعار النفط العالمي لم ينعكس كثيراً على لبنان نظراً للقرارات الحكومية المتخذة بدعم استيراد المحروقات, خصوصاً بالنسبة لشركة كهرباء لبنان, وذلك للحؤول دون ارتفاع أسعار الكهرباء للمواطنين والقطاعات الاقتصادية. إن السياسة الحكومية المتبعة إزاء قطاع المحروقات تقضي باستمرار هذا الدعم مهما بلغت التقلبات في الأسواق العالمية, وأضاف وزير المال أنه على الرغم من الظروف السياسية الصعبة والصعوبات المالية التي تواجهها الخزانة العامة، فإن الحكومة تعاملت إيجاباً مع كل التطورات سواء بالنسبة لسعر القمح العالمي, حيث واصلت الدعم لمنع ارتفاع سعر الرغيف, وكذلك مع ارتفاع أسعار النفط وكشف أنه إذا استمر هذا الارتفاع، فإن الحكومة ستعيد النظر في طريقة التعاطي مع كل قطاعات الكهرباء والبنزين والنقل والمازوت.
لكن قطاع الكهرباء يكلف خزانة الدولة ثلاثة ملايين دولار يومياً, أي مقدار مليار دولار سنوياً، بينما نسبة الجباية لا تتجاوز 60 في المائة من هذه التكلفة. عن هذه الأزمة يوضح الوزير أزعور أن مشكلة قطاع الكهرباء كبيرة, وهناك خطة للحل أهمها: عملية إعادة هيكلة القطاع، ومنح القطاع الخاص فرصة للمشاركة في الإنتاج، ومعالجة الهدر المسجل على مدار السنوات الماضية.
يشار إلى أن تكلفة موازنة وزارة الصحة تصل إلى مليار دولار كل ثلاث سنوات, ومجرد المقارنة تحتم العمل على إيجاد الحلول السريعة المعالجة الجذرية بعيداً عن الشأن السياسي.