عودة الدائرة المفرغة!

عودة الدائرة المفرغة!

[email protected]

وجدت منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" في ضعف الدولار حجة للاسترخاء في مواجهة التصاعد المستمر في سعر البرميل الذي يقابله من الناحية الأخرى التراجع المستمر في قيمة الدولار، عملة تجارة النفط الرئيسية، مقابل العملات الأخرى.
فسعر برميل النفط الذي كان في حدود 21.84 دولار عام 2001 عندما بدأت السوق النفطية تستعيد أنفاسها بصورة متئدة بعد الانهيار الذي لحق بها إثر الأزمة الآسيوية، يكاد يكون قد استقر فوق 80 دولارا في الوقت الراهن، مع تأرجح يشير إلى حالة عدم الوضوح التي تميز السوق حاليا. ففي يوم الخميس الماضي مثلا قفز سعر البرميل من خام ويست تكساس أكثر من دولارين بعد التراجع القياسي للدولار مقابل اليورو. فشحنات تشرين الثاني (نوفمبر) زاد سعرها 2.58 دولار في البرميل، أو ما يعادل 3.2 في المائة.
ويمكن القول بصورة عامة إن سعر البرميل ارتفع 32 في المائة في غضون عام، ووصل في بعض الأحيان خلال هذا الشهر إلى أعلى معدل منذ بدء التداول للعقود المستقبلية عام 1983. ويمكن القول إن "ويست تكساس" زادت قيمته بنسبة 36 في المائة عند تقويمه بالدولار خلال هذا العام، مقابل 27 في المائة عند حساب الزيادة بالنسبة للمشتريات باليورو و32 في المائة لكل من الجنيه الاسترليني والين الياباني، لكن في الوقت ذاته فإن الدولار واصل تراجعه لليوم السادس على التوالي خلال الأسبوع الماضي.
إحدى نتائج هذه الحالة أنها تسهم في الدخول إلى الدائرة المفرغة، حيث يكون لزيادة كل دولار على سعر البرميل تأثيره في حجم العجز التجاري الأمريكي، الأمر الذي يشكل ضغطا وإضعافا للدولار الضعيف أصلا، وهذا بدوره يجعل دول "أوبك" أكثر تقبلا لفكرة المضي في زيادة السعر للتعويض عن تراجع القيمة الشرائية للدولار. الخروج من هذه الحالة يتطلب إجراء أمريكيا في المقام الأول، خاصة فيما يتعلق بخفض وارداتها من النفط الأجنبي.
ضعف الدولار ينعكس على قوته الشرائية، وبالتالي تناقص العائدات المالية لدول "أوبك" في الجانب العملي. وتعديلا لهذا الوضع اتجهت الدول الأعضاء في المنظمة إلى تقليص احتياطياتها الدولارية، إذ تشير بعض الأرقام المتوافرة من بنك التسويات الدولي في العام الماضي إلى أن دول "أوبك" عدلت وضع احتياطياتها والتخفيف من موجوداتها الدولارية إلى أقل معدل للموجودات المقومة بالدولار خلال عامين. فقد تراجعت النسبة من 67 إلى 65 في المائة خلال فترة الربع الثاني من العام الماضي فقط، وهي الفترة ذاتها التي شهدت زيادة الموجودات باليورو من 20 إلى 22 في المائة، ويعتقد أن الوضع مستمر في الاتجاه نفسه خلال الفترة السابقة.
هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها العملة الأمريكية لمثل هذا الوضع، الأمر الذي كان يدفع ببعض الأصوات داخل "أوبك" للارتفاع والحديث عن ضرورات التحول إلى سلة عملات، وهو ما تحمل لواءه في الوقت الحالي إيران وإلى حد ما فنزويلا، لكن لأسباب سياسية تتعلق بعدائهما للولايات المتحدة وتأثير بعض الإجراءات التي تتخذها واشنطون للتأثير فيهما.
وإذا كانت التجارب السابقة في التحول إلى سلة عملات لم تحقق النجاح المنشود، وهو ما دفع دول المنظمة للعودة إلى أحضان الدولار مرة أخرى رغم متاعبه، فإن في المتغيرات التي تحفل بها الساحة العالمية ما يشير إلى تعدد الخيارات. فضعف الدولار دلالة على ضعف الاقتصاد الأمريكي. وعندما يدخل أكبر اقتصاد في العالم في مرحلة من التباطؤ يمكن أن تنتهي إلى كساد، فإن الكل يستعد إلى فترة طويلة من الآلام، لكن هذه المرة وبسبب قوة الاقتصاد الصيني والى حد ما الهندي، فإنه توافرت للاقتصاد العالمي ماكينة ثانية يمكن أن تبقي قوة الدفع الخاصة بالنمو الاقتصادي نشطة أو على الأقل وقف الانحدار نحو الكساد.
ويظهر هذا في أنه خلال فترة النصف الأول من هذا العام، فإن الزيادة في إنفاق المستهلكين في الصين والهند أسهمت أكثر في نمو الناتج الإجمالي العالمي أكثر مما أسهم به الجانب الأمريكي في هذا المجال. وعليه فرغم ضعف الدولار وفقدانه نحو 20 في المائة من قيمته الشرائية منذ القمة التي بلغها في 2002، إلا أنه من المستبعد حدوث ما يطلق عليه السيناريو الكارثة، وهو دخول الاقتصاد الأمريكي مرحلة الكساد ساحبا معه بقية الاقتصادات العالمية، خاصة ومنطقة اليورو تعد أكبر مصدر لواردات "أوبك"، إلى جانب الدور الذي يلعبه الاقتصادان الصيني والهندي.
هذا لا يعني عدم مشكلة وضرورة أن تلتفت إليها المنظمة، لكن يبدو أن هذه القضية ستنضم إلى قائمة الانتظار على الزمن أو متغيرات السوق تفرض عليها حلا.

الأكثر قراءة