أسباب الفساد
ذكرت إحصائية "نزاهة" أن السبب الأول في قيام أشخاص بمخالفات إدارية ومالية تقع ضمن إطار رقابة وتحليل الهيئة هو ضعف الوازع الديني. هذا العنصر بالذات هو المؤثر الذي سبق أن استهلكته كثير من الإحصائيات؛ فليس من المنطق أن نترك العبارات بهذا الشكل الفضفاض, ولا نخضعها للواقع الذي نعيشه.
إن ضعف الوازع الديني لا يمثل إلا جزءا قد يكون بسيطا من أسباب انتشار الفساد, ذلك أن المخالفات الإدارية والمالية رغم مخالفتها للشرع, إلا أنها تحدث لأسباب أخرى كثيرة. كما أننا لا يمكن أن نحكم على الناس بهذه الصورة الاندفاعية البسيطة, نحن لا نستطيع أن نحدد من الملتزم دينيا.
لا يمكن أن نبني أحكامنا على الشكليات التي قد يباشر بها الأشخاص حياتهم, لأننا بذلك قد نسيء للشرع عندما نسمح للمدعين بأن يأخذوا اسم الدين ويبتزوه. أمر مهم آخر مختلف فيه: هو من الملتزم دينيا؟ فقد تختلف أحكام الناس باختلاف مذاهبهم وطوائفهم.
لهذا أدعو إلى إخراج الدين من هذه المتاهة التي قد يستغلها ضعاف النفوس؛ فيحكموا على الدين من خلال من يبدو في أشكالهم أنهم ممثلون له. هذه النقطة بالذات هي ما ضر المسلمين في مختلف دول العالم. فبدل أن يكون المظهر الإسلامي جاذبا للمحبة والاحترام كما هو موجود في مختلف الثقافات, قام أشخاص باختطاف الدين بالشكليات والرؤى الفردية وحولوه إلى تهمة بدل أن يكون مفخرة.
بعد هذا كله أجدني وبحكم عملي سنوات طويلة في الدولة أعزو أغلب الفساد إلى الضغوط الاجتماعية, وانعدام التربية التي تركز على النزاهة وانتشار بعض القيم التي تسهل للأشخاص أن يعتبروا الفساد والتحايل على الأنظمة والتدليس مفخرة مهما كانت الوسائل، إضافة إلى النفاق الاجتماعي.
أمر مهم نشر الفساد هو انعدام الضوابط القانونية والتطبيق الصارم على من يسيئون استخدام السلطة بمختلف مستويات الإدارة, ما جعل المخالفات تنتشر على غرار المثل الذي يقول "من أمن العقوبة أساء الأدب". هذه المسألة بالذات يمكن أن نستفسر عنها من «نزاهة» ذاتها، وهي تعيش بيننا أكثر من عقد من الزمان دون أن نرى لوجودها ذلك الزخم الذي يوازي كم الصلاحيات التي منحت لها. الحديث عن أسباب الفساد طويل ويحتاج إلى مقالات كثيرة، وهو أمر في لب الاهتمام الحكومي, فدون معاقبة المفسدين لا يمكن أن نحقق أي أهداف للوطن.