تحايل إدارات التعليم على الأنظمة
قبل ست سنوات تقريبا اتخذت وزارة التعليم قرارا جريئا بمنح قادة المدارس مزيدا من الصلاحيات المالية والإدارية لتصبح المدرسة مستقلة وقادرة على الانطلاق والإبداع، دون الحاجة إلى كل تلك القيود "البيروقراطية" بينها وبين إدارة التعليم، وبين إدارات التعليم والوزارة.
من ضمن تلك الصلاحيات منح كل مدرسة مبلغا مقطوعا يصرف وفق ضوابط تنظيمية لأعمال الصيانة والنظافة، وكان الهدف هو مواجهة المشكلات المتراكمة لمؤسسات الصيانة والنظافة التي كانت تتعاقد مع إدارات التعليم بمئات الملايين في عقود غامضة تفتقد لأبسط ممارسات المنافسة والشفافية. ولا تلبث أن تختفي كل تلك المؤسسات وتبقى المدارس معطلة بلا نظافة ولا صيانة ولا يملك مدير المدرسة سوى رفع الخطاب تلو الآخر لإدارة التعليم دون جدوى، ينقضي العام ووضع المدارس من سيئ إلى أسوأ ويضطر معظم العاملين الدفع من جيوبهم لإصلاح مكيفات أو دورات مياه أو غيرها من الاحتياجات الضرورية.
عمليات الانتفاع من خلف شركات الصيانة والنظافة فاحت رائحتها، وكشفت الصحف أكثر من مرة شركات وهمية، وملفات موغلة في الفساد بعد تحقيقات من جهات رقابية وأمنية. ومن ضمن تلك التحقيقات التي نشرت قبل أربعة أعوام تقريبا ما كشفته الجهات الأمنية في إدارة "تعليم المدينة المنورة" عن مؤسسة الصيانة التي تجاوز عقدها 15 مليون ريال ولم يكن لديها سوى عاملين اثنين فقط! وبقية المؤسسات لا تختلف عن هذا النموذج.
قرار إسناد الصيانة والنظافة لمديري المدارس قضى على ظاهرة المؤسسات الوهمية، ووفر ملايين الريالات التي كانت تهدر لمصلحة متنفذين فاسدين، وأوجد جوا من الارتياح لدى قادة المدارس، حيث يمكنهم التصرف بمرونة مع المشكلات الطارئة، وفق دليل إجرائي وتنظيمي متميز لكل المشكلات، وقد شكلت التجربة نجاحا ملفتا تجاوز نجاح المدرسة إلى مديري التعليم أنفسهم الذين تخلصوا من مشاكل تقليدية كانت تشكل عبئا عليهم وعائقا أمام الالتفات لمشاكل أهم.
وحيث إن قرارا مثل هذا لم يعجب المنتفعين من المؤسسات السابقة، فلم تمر سنتان حتى عادت بعض إدارات التعليم للالتفاف على القرار تحت مبررات غير مقنعة منها تفريغ المدارس للعملية التربوية، وبدأت إدارة "تعليم الرياض" في الإعلان عن التعاقد مع شركة صيانة ونظافة، ثم بعد فترة أعلنت عن تعاقدها مع ثلاث شركات أخرى، والطريف أنها اشترطت أن يكون لها خبرة سابقة! بمعنى عودة المنتفعين السابقين، ثم تبعتها إدارة "تعليم الطائف" ومن ثم مجموعة من الإدارات الأخرى.
ومع عودة هذه الشركات التي أغلبها شركات على ورق وبعمالة محدودة، وغير مؤهلة، عاد الوضع السابق للمدارس من حيث سوء النظافة والصيانة وتراكم المشكلات اليومية وليس بيد قادة المدارس سوى كتابة الخطابات المليئة بالضجر والشكوى وعليهم الانتظار!
إنني أطالب وزير التعليم وكل الجهات الرقابية بالتحقيق العاجل مع كل الإدارات التي التفت على قرار وزير التعليم رقم 32155521/ وتاريخ 26/2/ 1432هـ بالتعاقد مع مؤسسات الصيانة والنظافة وهدر ملايين الريالات دون وجه حق.