إحصائية «نزاهة»
أصدرت «نزاهة» إحصائية رقمية تعرف بأسباب الفساد المالي والإداري في المملكة. تضع الإحصائية كل الاحتمالات التي اتفق على علاقتها بالفساد لمجموعة العينة الذين استطلعت الهيئة آراءهم، هذا الأسلوب مهم في سبر وجهات نظر المجتمع، لكنها قد لا تكون دقيقة لعلاقتها بوجهات نظر الأشخاص المستفيدين من أي خدمات تشرف على نزاهتها الهيئة، إضافة إلى فرض إجابات معينة على المشاركين.
يمكن أن تقوم الهيئة بإعداد إحصائية أخرى توضح لنا الأسباب من وجهة نظر من وقعوا في تجاوزات معينة سواء كبرت أم صغرت، هذه النتيجة قد تكون أدق من سابقتها لأن الشخص يمكن أن يحدد ما أدى إلى وقوعه في مخالفة معينة وما وراءها من المسببات النفسية والاجتماعية والثقافية والدينية، وهي مجموعة الأسباب التي رأتها الهيئة، ويمكن أن تنتشر في هذه العينة أسباب الجهل بالأنظمة أو الضغوط الإدارية.
هذه العينة صعبة المنال ولن تعطي المعلومات إلا في حال كانت التهمة ثابتة على الشخص وقد اعترف بها، فنحن نعلم أن الكثير من الذين وقعوا في مثل هذه التجاوزات استمروا في إنكار علمهم أو علاقتهم بالمخالفة.
العينة الثالثة التي يمكن أن تعتمد عليها الهيئة، هي ضحايا المخالفات والفساد الإداري والمالي، هؤلاء يمكن أن يرصدوا التسلسل المنطقي لحالات الفساد ويسهموا في التعرف على الوقائع من وجهة نظر مختلفة.. الضحايا هم من الشجاعة في حالات كثيرة إلى درجة أنهم أبلغوا عن المخالفة رغم علمهم أن هذا سيكون ضارا عليهم، وقد يؤدي إلى فقدان حقوقهم.
المجموعة الأهم التي قد تكون العينة الأكثر صدقا هي لمن حققوا في القضايا وتابعوا مسارها واطلعوا على خباياها، المحققون يمكن أن يكونوا أكثر الناس تحديدا للمتسببين والأسباب والملابسات. هؤلاء هم الرصيد الأهم في عملية مكافحة الفساد.
من هؤلاء يمكن أن تنشأ عملية المكافحة الحقيقية، ومنهم تبدأ عمليات الرقابة المالية والإدارية في تحقيق إنجازات واقعية يعتمد عليها. فإذا "عرف السبب بطل العجب"، وبدأ العلاج بالشكل المناسب، هذه القضية المهمة التي تتبناها الهيئة تعتمد على طريقة احترافية في السؤال ومعرفة ردود الأفعال الحقيقية.
دفعني للكتابة في هذا الموضوع أن الهيئة وضعت نقص الوازع الديني كسبب أول للفساد الإداري والمالي، وهو ما أشك فيه... ولي في هذا حديث آخر.