التنافس غير المحمود
تدعم كل الاقتصادات التنافس باعتباره وسيلة لضمان الجودة الأفضل والأسعار المعقولة للمواطن. إلا أن جميع الجهات المسؤولة عن الأسواق لا بد أن تنظم مراقبة شديدة ولصيقة لكل الداخلين إلى السوق ذلك أن النتيجتين اللتين نبحث عنهما قد لا يتحقق منهما سوى واحدة وتختفي الأخرى في خضم المنافسة بين التجار.
الجودة وهي الجزء الأهم في المعادلة قد تعاني بسبب انخفاض الأسعار ودخول منتجات أقل كفاءة وأكثر خطرا على المستهلك. هذا هو السبب الذي يدفع الدول للتشدد في مواصفات ما يسمح بدخوله إلى السوق. نلاحظ هذه القاعدة عندما نتأمل الحديث الذي أدلى به أحد مسؤولي الصناعة الصينية عندما دافع عن صناعة بلده التي يعتبرها الناس أقل جودة من المنتجات الغربية أو الشرقية. أكد المسؤول أن المواصفات يحددها العميل وهذا يدل على الكفاءة العالية في تنفيذ متطلبات العملاء لدى الصانع الصيني. البضاعة التي تباع في تشاد مثلا لن تكون بالجودة نفسها التي تكون عليها البضاعة التي تباع في هولندا. السبب هنا واضح ومقبول فالوضع الاقتصادي وقدرات المستهلك تتفاوت بين البلدين بشكل كبير. لكن لماذا تكون البضاعة التي تباع لدينا أقل جودة وكفاءة, إنها التنظيمات والقوانين التي تحمي السوق وتسمح للجهة المنظمة للسوق بأن توجه المعايير وترفعها لتحمي المستهلك وتعطيه السلعة التي تستحق أن تباع في سوق فيها من الوفرة المالية ما يكفي لوضع أشد المواصفات صرامة.
أحد أهم عيوب تجارنا هو عدم التخصص, وهذا يجعل الواحد منهم يعمل في العقار والمواد الغذائية والإلكترونيات في الوقت نفسه, لتصبح الجودة آخر ما يهتم به ويتحول الكسب المادي إلى مسير لكل أنشطة التاجر وليس القوانين والأنظمة. لكن لماذا التخصص؟
نحن نعلم أن هناك علامات تجارية محترمة, ولو بحثنا وراء أصحابها لوجدنا أنهم أكثر عناية بالمجال الذي يعملون فيه. عندما يتخصص رجال الأعمال تتجه أنشطتهم واهتماماتهم عموديا بدل أن تكون أفقية, وهذا يجعلهم أكثر حرصا على المحافظة على العميل وحمايته وضمان انتمائه للمنتج.
أما حين يكون التاجر عبارة عن "هايبر" يضم كل شيء, فهو سينتقل من مجال لآخر ويجعل المردود المالي أساس كل قراراته, ويفقد بالتالي مصداقيته, واهتمامه بالجودة, ومع غياب المواصفات والتطبيق الدقيق لها تصبح السوق سلة مهملات ترمي فيها المصانع كل خردتها.