رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


اقتصادنا يمشي بقدم واحدة

[email protected]

الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها منطقة الخليج عموماً والسعودية خصوصاً أسهمت في ظهور أطروحات مختلفة لعدد ممن يتناولون هذه القضايا سواءً في الصحف المحلية أو من خلال القنوات الفضائية. هذه الأطروحات تتميز أحياناً بالواقعية والمنطقية وأحياناً أخرى بالمنطقية الاقتصادية التي لا تتناسب مع ظروف الواقع، وأحياناً كثيرة بالتناقض مع مبادئ نظرية اقتصاد السوق الحر والتي تقود عملية العولمة الاقتصادية في العالم. وفي حالات أخرى كثيرة تتسم هذه الأطروحات بسيطرة التعاطف الفردي على التفكير المنطقي للكاتب والتي لا تتسق مع الطريقة المثلى لصنع السياسة الاقتصادية العامة والتي تستهدف بشكل أساسي الكل وليس الجزء.
والسبب الأساسي الذي أرى أنه يوقع الكثيرين في هذه المغالطات هو نسيان أن اقتصاد السعودية اقتصاد وحيد السلعة ونموه وتباطؤه ومسيرته التنموية تعتمد بشكل أساسي على الوضع السوقي لهذه السلعة. مما يجعل اقتصادنا كرجل يمشي بقدم واحدة، فإذا زادت قوة هذه القدم تسارعت خطوة هذا الرجل وإذا ضعفت تباطأت خطوته، وفي كل الحالات هو يعتمد على هذه القدم وحدها للمشي. ومع ذلك فإذا زادت قوة قدم الرجل وتسارعت معها خطوته فتبقى هناك مسألة أخرى يجب عليه أخذها في الاعتبار وهي مسألة التوازن عند المشي، فأي تسارع مبالغ فيه قد يؤدي به إلى السقوط.
هذا المثال يصور بشكل مبسط الطريقة التي يسير بها اقتصادنا باعتماده على مورد أساسي واحد هو النفط. فإذا زاد سعر النفط، تمتع اقتصادنا بنمو جيد مدفوعاً بزيادة الإنفاق العام على الخدمات العامة، كالتعليم والصحة والمرافق الأساسية. لكنه في الوقت نفسه يترافق ذلك مع زيادة في الطلب العام على السلع والخدمات بسبب الزيادة في الإنفاق العام، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر في أسعار هذه السلع. لذلك فالتأثير في المستوى العام للأسعار بسبب زيادة الإنفاق الحكومي هو تأثير حتمي لا جدل فيه، ويبقى على مقرر السياسة العامة للإنفاق تحديد مستوى الإنفاق العام الذي يؤدي إلى مستوى مقبول من التضخم. وأقصد بالمستوى المقبول للتضخم، المستوى الذي يتناسب مع معدل نمو حقيقي مقبول للاقتصاد والذي لا يؤدي إلى التأثير بشكل كبير في القدرة الاستهلاكية للأفراد.
والمشكلة التي يقع فيها الكثيرون عندما يبدأون بتناول قضية ارتفاع الأسعار أولاً: المقارنة المطلقة لمعدلات التضخم بين الدول دون الأخذ في الاعتبار الاختلافات في الظروف الاقتصادية لكل منها. فالاقتصاد متنوع الموارد يفترض أن يكون معدل التضخم فيها أقل عرضة للتأثر بزيادة الإنفاق العام في السلع والخدمات من الاقتصاد الوحيد السلعة. وثانياً: عندما يتم إرجاع هذا الارتفاع بشكل أساسي إلى سياسة سعر صرف الريال والتي تعد جزءاً من المشكلة وليست هي جل المشكلة، إذ أن الطلب على الواردات هو جزء من الطلب العام على السلع والخدمات. وثالثاً: عندما يتم اقتراح وسائل قديمة أثبتت فشلها في الدول الأخرى كإنشاء الجمعيات التعاونية أو منع تصدير بعض السلع لارتفاع أسعارها محلياً بسبب زيادة الطلب الخارجي عليها.
ولن أتناول هنا الجزئيتين الأولى والثانية ولكني سأقفز للجزئية الثالثة التي افتتحت بها هذا المقال. فعلى سبيل المثال يقترح البعض تطبيق مبدأ الجمعيات التعاونية كتلك المطبقة في دول أخرى، وهي طريقة عفى عليها الزمن وصارت من إرث الفكر الاشتراكي وأستغرب أن البعض ممن يعدون أنفسهم من أنصار اقتصاد السوق ينادون بتأسيس هذه الجمعيات غير الهادفة للربح. وأتساءل هنا أي كفاءة إنتاجية نتوقعها من منشأة لا تهدف إلى الربح وأي وفر سيتحقق للمستهلك من خلال مثل هذه الجمعيات التي ستكون تكاليف تشغيلها بلا جدال أعلى من المنشآت الهادفة للربح، مما يضعف قدرتها على المنافسة. أضف إلى ذلك حاجة هذه الجمعيات إلى درجة عالية من الرقابة لضمان عدم وقوعها فريسة الاستغلال والفساد. أما إذا كانت هذه الجمعيات هادفة للربح، فما الفرق بينها وبين أسواق التجزئة الأخرى، والحل إذاً يكمن في زيادة عمق السوق بفتح المجال للمنافسة بشكل أكبر مع العمل على كسر الاحتكارات بحيث لا تتاح لأي منشأة فرصة السيطرة على السوق.
قضية أخرى تناولها بعض الكتاب أيضاً هي قضية ارتفاع أسعار بعض السلع المنتجة محلياً كالحديد بسبب ارتفاع الطلب المحلي والعالمي عليه. ويقترح بعضهم العمل على منع التصدير لإتاحة الفرصة لزيادة العرض في السوق وتخفيض الأسعار. وهذا الحل يتعارض بشكل أساسي مع مبادئ اقتصاد السوق وفي الوقت نفسه سيؤدي إلى نتائج سلبية تتمثل في زيادة ربحية وحوافز التهريب إلى الخارج. والحل الأجدى لذلك هو فتح السوق وتخفيض الرسوم الجمركية على الواردات من الحديد ومواد البناء بشكل كبير يؤدي إلى تشجيع المصدرين إلى التصدير إلى السعودية.
إن تناول أي قضية اقتصادية يجب أن يكون بمعزل عن العواطف، كما يجب ألا يكون متناقضاً مع المبادئ الاقتصادية الأساسية والتي يجب أن تكون المنطلق لتصميم السياسة الاقتصادية العامة لضمان الوصول إلى الأهداف المرسومة بشكل أكبر. كما يجب التركيز على أن المشكلة الأساسية للاقتصاد السعودي التي يواجهها حالياً وستظل تظهر كلما تغيرت أسعار النفط وهي مشكلة التنوع في الموارد. ودون تحقيق هذا التنوع ستظل قدرة واضع السياسة الاقتصادية محدودة للتحرك باستخدام سياسات نقدية أو مالية لمواجهة تغيرات الأجل القصير وفي الوقت نفسه المحافظة على الاتجاه العام للاقتصاد في الأجل الطويل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي