ثقة المستثمرين وعلاقتها بتطوير سوق الأوراق المالية
من الطبيعي أن يقوم وفد من الغرفة التجارية الصناعية في الرياض بزيارة هيئة السوق المالية، ممثلا في لجنة الاستثمار والأوراق المالية، لكن للحقيقة فإن هذه الزيارة المهمة للغاية ليست الأولى التي تقوم بها غرفة الرياض، فالغرفة لها إسهامات متعددة في إنشاء السوق المالية وفي الهيئة كذلك، وهناك تاريخ مكتوب عن خطابات عدة رفعت إلى كثير من المسؤولين في البلاد، لتأكيد أهمية السوق المالية وتطويرها ولقاءات مختلفة، لعل أبرزها مع الدكتور عبدالرحمن التويجري رئيس هيئة السوق في حينه، الذي قدمت فيه الغرفة مذكرات مهمة في محاور عدة، تضمنت الجانب التشريعي وعلاقة الهيئة بالمتعاملين وتنمية البنية الأساسية الهيكلية للسوق، والوعي والتثقيف بشأن السوق المالية، ومناقشة طريقة حساب مؤشر الأسهم السعودي "تداول"، واليوم تعود الغرفة إلى الهيئة محملة بعديد من المقترحات التطويرية الجديدة، ومنها استخدام أفضل المعايير والممارسات في قطاع الأوراق المالية في المملكة، والعمل على تعزيز جاذبيته من خلال التعاون والتنسيق بين منشآت ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص، ورفع مستوى التوعية في مجال الاستثمار والأسواق المالية.
مثل هذه اللقاءات التي حدثت وتحدث بين وقت وآخر مهمة جدا، فالسوق المالية لن تنجح إذا لم يكن هناك مثل هذا اللقاء والتفاهم، فالسوق المالية في جوهرها هي أسلوب من أساليب تمويل القطاع الخاص في مشاريعه المختلفة، وغرف التجارة والصناعة في المملكة تمثل تجمعا لمجتمع القطاع الخاص ولرجال الأعمال على وجه الخصوص، الذين يعملون ويكرسون حياتهم في إنشاء الشركات وفي دمجها وتوجيه الموارد نحو تلك الفرص الاستثمارية التي تمكن من بناء مؤسسات وشركات تتسم بالاستدامة، وهذا يحقق كثيرا من المنافع العامة، وليس أقلها توفير فرص عمل دائمة للشباب. فالمجتمع بكل طوائفه ورجال الأعمال بكل أفكارهم وتقبلهم للمخاطر يلتقون في السوق المالية، فالمجتمع يوفر السيولة التي يمكن لرجال الأعمال الوصول إليها من خلال إنشاء الشركات أو من خلال رفع رؤوس الأموال في الشركات القائمة، وهذا يمكنهم من العمل والنجاح في بناء المؤسسات الاقتصادية العملاقة، ومن ثم يستطيع أبناء وبنات المجتمع الحصول على مزيد من الوظائف وتحقيق فوائض في الدخل، تمكنهم من الدخول إلى سوق الأسهم والتداول من أجل الشراكة مع رجال الأعمال في بناء مؤسسات جديدة، وهكذا تسير العجلة بين شراكة مستدامة تمثل السوق المالية قلبها النابض، لهذا تبدي هيئة السوق المالية منذ نشأتها اهتماما بلقاءات رجال الأعمال وتتفاعل مع مقترحاتهم، ويجب أخذ هذه المقترحات على جانب كبير من الثقة. لكن من المهم أن تتم هذه اللقاءات بشكل شفاف، فالمجتمع عادة ما يكون قلقا أمام تصرفات رجال الأعمال، التي تتصف بالعمل على تعظيم الأرباح ولو من خلال تعزيز القدرة الاحتكارية، لهذا فإن هيئة السوق المالية بقدر ما تحافظ على هذه اللقاءات مستمرة وفعالة، فإنها تحافظ أيضا على الشفافية ومشاركة المجتمع في مثل هذه اللقاءات، فكثيرا ما تنتهي اللقاءات بمقترحات لعقد ندوات ولقاءات تحضرها وتغطيها وسائل الإعلام، وهذا ما حدث في اللقاء الأخير مع الهيئة، كما أن هيئة السوق المالية مع غرفة الرياض قد نظمتا في مايو الماضي ملتقى "الإدراج في السوق المالية" تحت عنوان "قرار التحول إلى شركة مساهمة عامة"، الذي استعرض تجارب بعض الشركات العائلية في قرار طرح أسهمها، كما تمت مناقشة أهم الجوانب التي ينبغي مراعاتها عند الطرح العام للأسهم في السوق، وكذلك "مستقبل الأسواق المالية". وانتهى الملتقى في حينة بتوصيات عامة بشأن توسيع وتعميق السوق المالية السعودية، بزيادة إدراج أسهم الشركات واستخدام وسائل وآليات الحوكمة، التي تضمن سلامة أداء السوق ومصداقيتها. ولهذا فإن اللقاء الأخير بين وفد غرفة الرياض وهيئة السوق يأتي بعد مثل هذه اللقاءات العلنية لتعزيز نتائج الدراسات والملتقيات التي أقيمت، ولهذا ناقش اللقاء الأخير وسائل جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية لسوق الأسهم السعودية كحل لتوسيع السوق المالية وتعزيز الشركات فيها، وهذا بدوره يحقق كثيرا من تعميق السوق وتوفير فرص عمل، كما تم الاتفاق على الاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في مجال تأسيس وإدارة صناديق التوازن التي تساعد على الحد من الهبوط الحاد والارتفاع السريع.
فما تقوم به غرفة الرياض يمثل حراكا مهما جدا، ولا بد من تعزيز دورها وأهميتها، كما أن مشاركة الغرف التجارية الصناعية في باقي المناطق لها أهمية أكبر، والتنسيق في هذا خطوة ضرورية، لتوحيد الجهود وفتح مساحات واسعة للعمل والنقاش والمقترحات.