الرئيس التنفيذي .. والإجراءات التحضيرية لترك المنصب
بعد اختيار دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة وحتى اللحظة التي سيقوم فيها بأداء اليمين الدستوري، سيسارع فريق ضخم يضم نحو 900 شخص في البيت الأبيض للبدء بمهامهم لضمان انتقال القيادة بشكل سليم. وعندما ستقلع مروحية الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 20 يناير عند التقاعد، سوف يمتلئ البيت الأبيض بجحافل الموظفين الجدد، استعدادا للعمل للسنوات الأربع المقبلة في خدمة الرئيس الجديد، هكذا تسير الأمور في عالم السياسة.
على نقيض معظم القادة، عرف أوباما موعد رحيله مقدما قبل أربع سنوات، وكذلك فريق عمله. الترويج للإنجازات السياسية مجرد أمر روتيني في مكاتب السياسيين. غير أن الشركات تفتقر إلى ذلك الإيقاع المنتظم على اعتبار أن شغل منصب الرئيس التنفيذي لا يدوم لفترة طويلة (بمعدل ست سنوات، أقل بنسبة 20 في المائة مما كان عليه قبل عقد من الزمن)، لا يملك كبار التنفيذيين الوقت والثقة بما يكفي لإنشاء ونشر استراتيجيات ناجحة، وبناء علاقات وتحضير خطة خروجهم في نهاية المطاف.
خلال عملي كمدرب تنفيذي في كلية إنسياد، عادة ما أسأل الرؤساء التنفيذيين عما ستكون عليه وجهتهم المقبلة. وغالبا ما يكون وقع سؤالي عليهم مفاجئا فيحدقون بعيون فارغة أو يشيرون إلى بنظرة ارتياب: "أليس الوقت مبكرا على سؤال هكذا على اعتبار أنني توليت هذا المنصب الأسطوري أخيرا"، الوهم بأننا وصلنا إلى وجهتنا أمر خيالي في الحياة المهنية. وبشكل أوضح قد تكون الخط الفاصل بين السماء والجحيم. كما قال ستيف جوبز في خطابه الرائع في ستانفورد: "الموت هو الوجهة التي نشترك فيها جميعا. لم يستطع أحد تفاديه". وهكذا هو الحال بالنسبة للتنفيذين الكبار: ستنتهي هذه المرحلة بأقرب وقت وبأسرع مما نتخيل.
سنأخذ ليو أبوثيكر كمثال. كان ليو مسرورا بالتأكيد بعد مغادرته شركة "إٍس أي بي" بعد أن شغل فيها منصب الرئيس التنفيذي لأقل من سنتين، ليحصل على فرصة أخرى في "إتش بي"، وعلى الأرجح لم يكن يعلم أنه سيطرد مرة أخرى بعد مرور عشرة أشهر. لا يمكن التنبؤ بسياسة الشركات. فبالنسبة لكثيرين، تولي منصبا رفيع المستوى هو بمنزلة لحظة تتويج وتنفس الصعداء: البقاء أصبح مضمونا "نجحت في تحقيق ذلك"، على أنغام المقطوعة الموسيقية "وصول ملكة سبأ". فإذا ما كنت ضمنيا شخصا نرجسيا، ستظهر نرجسيتك في هذه المرحلة.
ومن المفارقات، أنه في تلك اللحظة ستبدأ المهمة الصعبة. فإغراء مباشرة العمل بشكل فوري، الإشراف على عمليات الشركة، وإدارة الميزانيات، وبدء برنامج للتغيير، وتخفيض التكاليف، وتسليح نفسك تماما لمواجهة المعارك القادمة، له أسبابه المقنعة، والتركيز على تجهيز بدلاء قد يتطلب مجهودا أقل. ولكن، كما ينصح جيم كولينز في كتابه "من جيد إلى عظيم" تتمحور مهمة الرئيس التنفيذي الجديد حول التأكد من أن الشخص المناسب في المكان المناسب، أي الذي يقوم بوظيفته على نحو أمثل – "فمن هو المرشح لشغل منصبك في غضون سنوات قليلة". في حين يبدو ذلك بالفكرة غير المستساغة، لكن إغفاله قد يشكل الضربة القاضية لحياتك المهنية.
غالبا ما يحيط القادة الاستبداديون أنفسهم بالكاذبين، والمتملقين وغير الأكفاء باعتبارها وسيلة لإحكام السيطرة. كما يحاول القادة التابعون التعامل بشكل سلبي مع جميع الإنجازات التي تم تحقيقها قبل توليهم المنصب. ويخشون تغيير الوضع الراهن وتسريح الأشخاص المقربين من الذين سبقوهم وأصحاب الأداء الضعيف أو الذين لا يلتزمون بمخططاتهم، ويميلون إلى عدم تحريك ساكن. يسارع القيادي القائد لتحقيق النجاح، ويراجع إنجازاته في منتصف الطريق، في حين يكون موظفوه المفتقرون إلى الكفاءة قابعين في مكانهم.
الاستراتيجية المثلى هي استراتيجية التدريب والتوجيه. عند وضع رؤية استراتيجية جديدة، يجب استبدال الأشخاص الذين لا يستطيعون مجاراة الوضع الجديد بعد تلقيهم التدريب المناسب. وينبغي العمل بنشاط لتطوير الفريق المتبقي على اعتبار أنهم أشخاص موهوبون يمثلون مستقبل الشركة، حتى بعد انتهاء مدة ولاية الشخص. بالإمكان تشبيه ذلك بحديقة أزهار، فهي تحتاج إلى رعاية، واهتمام فردي، وبرامج تطوير مصممة خصيصا، وتكليف الأشخاص بمهام أوسع لتعزيز قدرتهم على التعلم. بعد ذلك، إذا بدأنا في إعداد أطفالنا في سن المراهقة للحياة خارج المنزل في عمر 17 عاما سيشعرون بأنهم منبوذون. وبالمثل، فإن مهمة إعداد التنفيذيين لتولي منصب أكبر تبدأ من اليوم الأول.
كما لو أن المرحلة الانتقالية ليست صعبة بما فيه الكفاية، فهي مشحونة بكثير من العواطف. وستكون الرحلة ابتداء من مرحلة البداية إلى النهاية مملوءة بالحفر والمطبات. وبطبيعة الحال سوف يجد بعض التنفيذيين أنفسهم مرغمين على المغادرة في وقت مبكر: بحسب أحد رؤساء مجلس الإدارة متحدثا عن شعوره عند مغادرة أحد الرؤساء التنفيذيين اللامعين بعد أن فشل فشلا ذريعا "غادر المنصب كما تولاه، وتم تسريحه بحماس!". عندما تكون إجراءات الخروج من الشركة غير مدروسة، سيترتب عليها فوضى نفسية، لذا يجب أن تدار عملية خروج الرئيس التنفيذي بعناية بالغة.
يميل الناس منذ زمن سحيق لرسم صورة مثالية للقادة. ويمر عديد من الأشخاص بمرحلة حداد مع اقتراب اليوم المعهود لمغادرة التنفيذي الكبير. وقال أحد المسؤولين التنفيذيين من مؤسسة مالية قابلته أخيرا، إنه من أجل تفادي الحداد لم يخبر أحدا بأنه مغادر! واختفى فجأة. أحدث ذلك ضجة كبيرة وترك خلفه حالة من الغضب.
على النقيض هناك إغراء الخروج مع إجراءات مطولة لتعظيم إنجازات الشخص الراحل. فالرئيس التنفيذي لشركة عملت معها في ألمانيا، وهو أحد الأشخاص الذين نجحوا في منصبهم وتمكنوا من تحقيق نمو كبير للشركة باعتراف الجميع، قرر أن يقوم بجولة حول العالم على نفقة الشركة، لوداع الأشخاص الذين عملوا معه. ولديه كل الحق للقيام بذلك، ولكن ذلك جعل من وظيفة الرئيس التنفيذي الجديد أكثر صعوبة، فبمجرد وصوله إلى مكتبه، كانت الشركة في حالة من الكآبة.
الطريقة الصحيحة للانتقال هي مزيج من كل ما ورد أعلاه، وطقوس الوداع لها مكانتها، ولكن هناك امتياز بالوقوف جنبا إلى جنب مع الشخص الذي سيخلفنا والتحدث عن مسيرة الشركة. وعلاوة على ذلك، قد ترغب في تحضير الرئيس الجديد كما يجب، ليس فقط من خلال التعبير عن مشاعرك الصادقة عن انتهاء رحلتك في الشركة، ولكن أيضا من خلال تحفيزه على مواصلة رحلة النجاح. إذا ما كانت تخالجك مشاعر مختلطة بإمكانك الإفصاح عنها، وعبر عن مشاعرك الصادقة لتكون بمنزلة منصة للقيادي الجديد.
الشركات مثل الكائنات الحية، والتنفيذيون مثل جميع الكائنات، يصادفون فترات جيدة وأخرى سيئة لا يمكن التنبؤ بها. ولكن يحتاج القيادي إلى التركيز على الأشخاص الذين سيخلفونه في مرحلة مبكرة. فلا يوجد أحد لا يستذكر معلما أو مدربا؟ وبمجرد قيامه بذلك لن يعزز فقط الاستدامة في الشركة على المدى الطويل، ولكن سيضمن أن يخلد ذكراه.
* أستاذ القيادة المساعد في كلية إنسياد