رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تعويم الجنيه .. الاختبار قادم

ليس كل عمليات تعويم العملات ناجحة لأنها لا ترتبط فقط بتركها معايير العرض والطلب، بل أيضا بعجز الموازنات والديون المحلية والخارجية، ووضعية سياسة الدعم بشكل عام. في قرار مصر الأخير بتعويم الجنيه لم تقدم على هذه الخطوة لأول مرة، فعل ذلك الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس السابق حسني مبارك. وفي التجربتين الماضيتين، لم تنجح مصر في الواقع في عملية التعويم. الذي حدث انخفاض قيمة الجنيه فقط، والسبب الرئيس أن الاقتصاد الوطني آنذاك كان أسيرا لسياسات حكومية لا تتوافق وتحرير العملة أو غيرها من القطاعات الاقتصادية في البلاد، علما بأن القرارين المشار إليهما اتخذا تحت ضغط كبير تعرضت له حكومتا السادات ومبارك.
مع قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخير، أقدمت مصر على خطوة اقتصادية تاريخية بالفعل، علما بأن الضغوط على هذا النظام تكاد تكون متطابقة مع الضغوط المشار إليها في الحالتين السابقتين. بمعنى، أن الحكومة أقدمت على التعويم للحصول على القرض الموعود من صندوق النقد الدولي، الذي بدوره لم يوفر مناسبة إلا وطالب مصر بضرورة التعويم، مع تأكيد ضرورة أن تقوم الحكومة بتخفيض سعر الجنيه. ولم تنجح كثيرا الحكومة في حملاتها الأخيرة على سوق الصرف السوداء، على الرغم من أنها اتخذت قرارات اقتصادية شجاعة للتعامل مع هذه المسألة.
المهم أن الاقتصاد الصحي يتطلب تحريرا كاملا لعملته الوطنية، هذه هي القاعدة الثابتة، ولكن ما مدى "صحة" الاقتصاد المصري؟ إنه ببساطة ليس في وضع صحي متين، ولا سيما في ظل تدهور الأوضاع المعيشية على الساحة المحلية، بل نقص بعض المواد الأساسية. دون أن ننسى، أن رفع الدعم يتطلب مخططات طويلة المدى، والأهم رؤية محلية بعيدة، نظرا للحساسية الشعبية لمثل هذا الموضوع بالذات. وفي كل الأحوال، أظهرت الساعات التي أعقبت قرار التعويم حراكا إيجابيا حقا، غير أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الوقت، ليس فقط على صعيد تفاعل السوق، بل من جهة تنفيذ المخططات الحكومية بمعايير عالية الجودة. لا شك في أن الاستثمارات العربية والأجنبية السابقة لتعويم الجنيه ستواجه خسائر كبيرة، إذا ما أراد أصحابها التخلص منها فورا.
ولا بد من التأكيد هنا على أهمية الاستدامة في التوجهات الاقتصادية خصوصا تلك التي تستهدف تحولات يمكننا ببساطة أن نصفها بالتاريخية. ورغم أن تجارب بعض البلدان التي قامت بتعويم عملاتها الوطنية حققت نجاحا كبيرا استمر إلى يومنا هذا، إلا أن التجربتين السابقتين اللتين مرت بهما مصر لم تحققا النجاح المطلوب. الذي حدث في الواقع أن الدولار ارتفع بصورة كبيرة، في حين تراجعت قيمة الجنيه بصورة أكبر. ومع أن القرض الموعود من صندوق النقد سيحدث شيئا من التغيير الاقتصادي على الأرض، إلا أن تقديمه لمصر في هذه الظروف في حد ذاتها يعتبر بمنزلة تصنيف ائتماني تحتاج إليه البلاد الآن أكثر من أي وقت مضى، لكن الأهم من كل هذا، هل تستطيع الحكومة المضي قدما في عملية الإصلاح الاقتصادي المحلي، وتخفيف الدعم الممنوح منذ عقود للمواطنين على المواد الأساسية؟
سيؤدي التعويم حتما إلى استعادة تداول النقد الأجنبي في القطاع المصرفي، بل سيدفع باتجاه الحصول العاقل والعادل على العملة الأجنبية من جانب السوق المحلية. غير أن السؤال الأهم: هل يمكن أن يؤدي تعويم الجنيه المصري إلى استقرار حقيقي لسوق الصرف والتوازن بين العرض والطلب؟ لا شك في أن الأسابيع المتبقية من هذا العام، ستعطي مزيدا من الإجابات عن التساؤلات المحورية والمتفرعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي