هل عدد الجامعات كثير؟
أثيرت قبل فترة قضية عدد الجامعات ومدى احتياج البلاد والعباد إلى هذا العدد من الجامعات التي يرى القلة إنها باتت كثيرة. وتشير بيانات وزارة التربية والتعليم إلى وجود 28 جامعة حكومية من ضمنها الجامعة الإلكترونية والجامعة المفتوحة، يضاف إلى ذلك 28 جامعة وكلية خاصة. وهذا يعني أن هناك جامعة حكومية وأخرى خاصة لكل مليون نسمة من السكان بشكل تقريبي. وتحتضن الجامعات الحكومية معظم طلبة التعليم العالي في المملكة (87 في المائة من الإجمالي) حيث بلغ عددهم في عام 1435-1436هـ نحو 1.32 مليون طالب وطالبة، بينما بلغ عدد الطلبة المقيدين في الجامعات والكليات الخاصة نحو 79 ألف طالب وطالبة (5 في المائة من الإجمالي). وهناك عدد آخر من مؤسسات التعليم في مجالات التدريب والتعليم التقني والمهني أو التابعة لجهات أو شركات معينة التي تحتضن نحو 125 ألف شخص. وقد حققت المملكة قفزات كبيرة في مجال التعليم الجامعي خلال العقدين الماضيين فبعدما كنا نفتخر بنحو سبع جامعات صار التعليم الجامعي متوافرا في جميع مناطق المملكة.
يعتبر عدد جامعات المملكة جيدا في الوقت الحالي، ولكن الكثير منا يطمح للمزيد. وتهتم دول وشعوب العالم بالتعليم العالي وتنفق أموالا طائلة لنشره وتيسير الحصول عليه. تقف الولايات المتحدة على رأس دول العالم بعدد الجامعات حيث يوجد فيها نحو 3300 جامعة (جامعة لكل 100 ألف من السكان تقريبا، ويصل عدد طلاب الجامعات إلى 21 مليون طالب)، وتليها الصين بنحو 2300 جامعة ونحو (جامعة لكل 600 ألف من السكان، ويصل عدد الطلاب فيها إلى 23 مليون طالب). وتكثر مؤسسات التعليم العالي في معظم دول العالم ويزداد تركيزها للسكان في الدول الأكثر تقدما والأغنى، حيث تحتضن سويسرا بسكانها البالغين ثمانية ملايين نسمة 100 مؤسسة حسب بعض المصادر، وهو ما يعني وجود جامعة لكل 80 ألفا من السكان. وتوجد في دولة صغيرة مثل سنغافورة 44 جامعة. وخلاصة القول إنه على الرغم من أن إجمالي عدد طلبة التعليم العالي كبير في المملكة ( وهو أمر جيد) إلا أن عدد الجامعات ليس كبيرا مقارنة بدول العالم ويمكن إضافة المزيد.
قد يكون إجمالي عدد الجامعات مؤشرا غير دقيق على تقدم التعليم العالي في أي بلد، حيث يعاني كثير من الجامعات قلة أعداد منتسبيها أو محدودية قدراتها أو ضعفها الأكاديمي، ولهذا فإن نوعية التعليم الجامعي أهم بكثير من كثرة مؤسساته. وتكثر الجامعات في الصين والولايات المتحدة والهند وروسيا والبرازيل، ومع هذا يعتبر التعليم الجامعي في الولايات المتحدة الأكثر تميزا وشهرة. وجاء هذا نتيجة لارتفاع جودة التعليم الجامعي في عدد كبير من الجامعات الأمريكية وليس كلها، حيث تحتل الجامعات الأمريكية أكثر من نصف قائمة أفضل 100 جامعة على مستوى العالم، كما تحتل ربع قائمة أفضل ألف جامعة في العالم. وفي المقابل توجد جامعات كثيرة في الهند إلا أن قائمة أفضل 500 جامعة في العالم لا تشمل أي جامعة هندية، وتحتل ثلاث جامعات هندية فقط مراكز في قائمة أفضل 1000 جامعة في العالم. أما في المملكة فتحتل أربع جامعات سعودية مراكز في قائمة أفضل 1000 جامعة على مستوى العالم.
لقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا قويا في الطلب على التعليم الجامعي ما وسع انتشاره وزاد من عدد مؤسساته على مستوى العالم. وارتفع الطلب على التعليم العالي لإدراك الدول والأسر أهمية التعليم ودوره الحيوي في التطور الحضاري والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستويات المعيشة وتمكين الفقراء والنساء والشرائح السكانية الأقل دخلا من اللحاق بالشرائح السكانية الأوفر حظا. إن الناظر إلى عدد الجامعات في دول العالم يرى أعدادا كبيرة منها في شتى البلدان، ولهذا فإن زيادة عدد الجامعات وانتشارها في أصقاع المعمورة هو أمر طبيعي ومرغوب ويلبي احتياجات المجتمع في مختلف دول العالم، وأي انتقاد لزيادة عددها في أي بلد ينم عن ضيق أفق ولا ينسجم مع تطلعات معظم السكان.
لا يعتبر عدد الجامعات وحده معيارا وحيدا وكافيا لقياس تحسن وانتشار التعليم العالي، حيث يمكن وبكل سهولة زيادة عدد الجامعات من خلال تقسيم الجامعات الحالية. من جهة أخرى لا يخفى على أحد أن بالإمكان إنشاء وزيادة عدد الجامعات خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا، ولكن رفع جودة التعليم العالي يتطلب جهودا مضنية وسنوات طويلة. ولهذا فإن أمام المملكة طريقا طويلا لرفع جودة التعليم العالي وتحسين إنتاجيته. ولن يتم ذلك من خلال خفض تدفق الموارد لهذا القطاع الحساس كما يلمح به البعض في الآونة الأخيرة، بل يتطلب زيادة واضحة في تدفق الموارد وفي الوقت نفسه زيادة كفاءة إنفاقها ومنح مؤسساته مزيدا من الاستقلالية في تدبير شؤونها وزيادة كفاءتها. ولن يتطور التعليم العالي إلى مستويات عالمية دون قفزة كبيرة لإنفاق القطاعين الحكومي والخاص على البحث العلمي الجاد والفعال. ويلعب البحث العلمي دورا حيويا في استقطاب العقول والخبرات إلى مؤسسات التعليم العالي التي تمكنها من التميز على المستوى العالمي.