عقوبة الحاضن
أصدرت قاضية في ولاية تكساس الأمريكية حكما معجلا، بإسقاط الحضانة عن أم تركت طفلتها الرضيعة في سيارتها، ونزلت للسوبر ماركت، والسيارة في وضع التشغيل، ما سهل سرقتها مع الطفلة التي كانت داخلها، وحين سمع اللص بكاء الرضيعة أرجع السيارة فورا لمكانها نفسه وسلم نفسه، ما جعل القاضية ذاتها تحكم عليه بساعات من العمل في خدمة المجتمع. وحضور محاضرات تنمية الذات بشكل إلزامي، عدد 13 محاضرة.
دائما ما نجد أحكاما معجلة في دول أوروبا والولايات المتحدة، تنص على عقوبة نزع الحضانة، وإسقاطها وقلما نجد هذه الأحكام في عالمنا العربي والإسلامي. رغم أن ضابطة مصلحة "الطفل المحضون" مقدمة على إرادة الحاضن هي ضابطة شرعية عتيقة جدا، سبقت كل الأنظمة والقوانين الوضعية للأحوال الشخصية.
تعد جرائم الأحداث المتكررة، مؤشرا على عدم صلاح المربي، وأن الطفل يخضع لتربية أقل ما يقال عنها إنها ناقصة وغير مكتملة، وإنها انتهت إلى أسوأ النتائج بحقه، وهو كصلصال الطين، يتشكل على كل صورة، وينشأ باستقامة أو اعوجاج الوتد الذي يتصالب عوده عليه، التربية هي التي صيرت فطرته السليمة إلى فطرة فاسدة، جعلته يقترف الجنايات، ويقتحم الجرائم، في الغرب غالبا ينظر القاضي بشكل مباشر إلى أهلية الحاضن ويحكم تبعا للحكم، بسقوط الحضانة أو ببقائها، نظرية العقوبة العلاجية هنا تأتي في دائرة أكبر، تبدو مكتملة، وتامة.
وهي العقوبة التي لا تغافل نفسها -دفن المستنقع- عوض مطاردة البعوض، فطالما أن القاصر في بيئة منتجة للانحراف، تتحول العقوبة للطفل، سببا مضافا لزيادتها منه، بدافع الانتقام وتنمية صداقات الجريمة، وتنيظماته داخل السجن.
مصلحة المحضون لدينا التي هي مناط حكم الحضانة، تنحصر في تنازع الأبوين فقط. ولا نشهد حضورالولاية العامة في حماية الطفل من عدم أهليتهما معا، أو عند ظهور تقصير، أو جريمة، تقتضي تبعا لها إسقاط ولايتهما وحضانتهما عن كل القاصرين لديهما.
يتم استعمال بعض الأطفال كأدوات بشرية للتسول، وحرمانهم من التعليم، ووضعهم في بيئة تعد الجريمة جزءا لا يتجزأ من تفاصيل حياتها، وحتى في حال استعمال الأطفال كوسيلة نقل للمخدرات بين المروجين والمتعاطين وغيرها، لا يتم حتى في مثل هذه الحال إسقاط حق الحضانة، وحماية الطفولة، في ذات العقوبة الجزائية للفاعلين، بخلاف ما هو متبع في أوروبا.
حيث يظل الطفل لدينا بحاجة إلى دعوى قضائية مستقلة، يثيرها أمام القضاء من له مصلحة للمطالبة بإسقاط الحضانة، وهذا لا يحدث أبدا في حال فساد الأبوين معا.
حين يتم الحكم على قاصر لأنه طيلة الوقت يستدرج الفتيات لعلاقة محرمة، ويبث هذا للعالم، ويطلع عليه الناس جميعا، ثم لا ينكر عليه أحد ممن هو معهم، على مسافة جدار واحد، وخلف باب واحد غير موصد ولا مغلق.
ينبغي أن يشمل الحكم عليه بالعقوبة أيضا ودون حاجة إلى قضية فرعية أخرى، الحكم بعدم أهلية الحاضن والمكان الذي يعيش فيه هذا القاصر، إذ يظل دائما دفن المستنقع أفضل من ملاحقة البعوض. وهذا ما نأمل أن نراه في شمولية الحكم القضائي، واستيعابه للأسباب المنتجة للجريمة، والعلة التامة فيها لعلنا نجد على نحو التلازم تماما كالفصل من الخدمة المدنية، بعد ارتكاب الجنايات، حيث يسقط حق الحضانة عن الجاني لمدة من الزمن يثبت خلالها أهليته ليتولى ويؤتمن على طفولة بريئة عاجزة، طاهرة النفس، كالماء يأخذ لون الإناء الذي يوضع فيه.