رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل يقاوم العرب الغزو الثقافي أم يستدرجونه؟

التدخل العسكري في الشؤون العربية ظاهر للعيان، في بعض البلدان صار الأجانب وعساكرهم في مقارهم خارج الشرق الأوسط أو في سمائه هم أصحاب القرار، وشعوب المنطقة منقسمة بين هذا وذاك، الأجانب وعساكرهم يقررون وهم في الغالب ينفذون.
ووقع التدخل (أو الغزو هذا) يصيب العرب في مقتل، قلما نسمع، لاسيما في السنين الأخيرة، أن الأجانب وعساكرهم لحقت بهم خسائر بشرية جدية رغم تدخلهم الناري الكثيف والمباشر في مجريات المعارك المرعبة التي تدور رحاها في بعض الأمصار.
في ماضي الأيام وفي غزوهم العسكري حتى بعد أحداث 11 أيلول 2001، كان العساكر الأجانب ينزلون إلى الأرض بكثافة ملحوظة. وصل عدد أفراد الجيش الأمريكي في غزوه للعراق عام 2003 –عدا المرتزقة الأجانب الذين رافقوه– إلى مئات الآلاف من الجنود.
النتيجة كانت كارثة حقيقية للجيش الأمريكي أمام المقاومين العراقيين الحفاة الذين أجبروا الغزاة على "الانسحاب" حسب التعبير الأمريكي، ولكن الأمر كان هزيمة بعد خسائر كبيرة في الجند والأعتدة والفشل المريع في إخضاع المقاومة.
بيد أن قريحة الغزاة لا تكف عن الانفتاح صوب مشاريع غزو بأشكال مختلفة. ربما ذهب الغزو العسكري الذي يستند إلى قوة مشاة كبيرة على الأرض دون رجعة.
اليوم نحن أمام غزو بأشكال تختلف كثيرا عن عقد مضى.
الغزو –أي غزو– غير شرعي وغير قانوني لأنه يستند إلى القوة والبطش العسكري لشعوب تختلف عن الغزاة ثقافة، غايته تحقيق أغراض سياسية واستراتيجية واقتصادية. والغازي في الغالب هو صاحب السطلة والقوة والعساكر والمحتل هو ما يراه الغازي ضعيفا ومستضعفا.
ويبدو أن الغزو بدأ يأخذ شكلا وقالبا جديدين في القرن الـ21. الدول الاستعمارية الغازية صارت لا تجازف بأبنائها، الغزو اليوم أغلبه من بعد.
والغزو من بعد يتقبله الضعفاء لسببين: أولا، لأنهم لا يملكون وسائل مقاومته. وثانيا، يرون فيه شيئا رحيما إن كان الغزاة ذوي توجه يوائم التوجهات السائدة لدى الأمم المستضعفة.
ويحدد الأقوياء الخريطة على الأرض من بعد وحسب ميولهم وقلما يكترثون لرغبات الناس الذين يقع عليهم العبء كله، هم يقاتلون ويقتلون بعضهم بعضا والغزاة يقتلون فيهم دون رحمة.
لم يحدث في التاريخ أن أصبح للغزاة سطوة وسيطرة على رقاب الناس الضعفاء بهذا المقدار، ولم يحدث في التاريخ أن سهل الناس الأمور للغزاة كما يحدث اليوم.
ولم يكن هناك مسرح معد لعمليات الغزو الأجنبي من بعد مثل مسرح الشرق الأوسط اليوم، المسرح هذا يكيف نفسه في كثير من الأحيان كي يمرح الغزاة فيه. هناك أمثلة كثيرة كيف أن قدوم الممثلين الغزاة على المسرح كان بطلب من الجماهير ذاتها رغم أن التاريخ قديمه وحديثه مملوء بالأمثلة على خطورة الاستجارة بالأجنبي.
وكأن الغزو العسكري ليس كافيا، فأتانا غزو من شكل آخر غايته تغيير أو تطويع الموروث الثقافي بفرض أطر ثقافية جديدة.
والغزو الثقافي أخطر من الغزو العسكري. القتل –ويقع بأعداد مهولة في الشرق الأوسط– مأساة كبيرة ولكن في حد ذاته ليس بإمكانه إلغاء الثقافة.
أنت تقتلني فقط عندما تقتل ثقافتي.
وقتل الثقافة العربية والإسلامية يتم بطرق شتى، وأكاد أجزم أن العرب لم يكونوا في مواجهة غزو ثقافي كالذي يتعرضون له اليوم.
وتعد اللغة العربية وما تحمله من رمزية ثقافية ودينية واجتماعية واحدا من أهم أهداف الغزو هذا.
لغة الضاد تزاحمها اليوم لهجات محلية ولغات أجنبية لاسيما الفرنسية في بعض دول المغرب العربي مثلا، وكذلك ترجمات تفتقر إلى التوطين الثقافي للمصطلح وطريقة التعبير عن الفكرة أو المفهوم الذي يحمله.
الترجمة إلى العربية في غاية الأهمية وحركة الترجمة التي حدثت في بداية العهد العباسي كانت سببا رئيسا للتمدن والرقي والحضارة السامية التي وصلها العرب والمسلون في حينه.
الترجمة اليوم أقل شانا من التي جرت في العهد العباسي من حيث حجم المواد المترجمة والأسلوب الذي تتم به. ما يترجم إلى السويدية وهي لغة ثمانية ملايين شخص في سنة واحدة ربما هو أضعاف ما يترجم إلى العربية التي هي لغة أكثر من 400 مليون نسمة.
وأكثر مثال إيلاما للغزو الثقافي هو شيوع ظاهرة المدراس الأجنبية التي تدرِّس مقررات أجنبية وباللغة الأجنبية كما في دول المنشأ. ووقع الأمر كالصاعقة علي عندما ظهر أن خريجي هذه المدارس يخفقون في التمييز بين "بني أمية" و"الأمية".
والغزو الثقافي يأخذ مديات خطيرة جدا في الإعلام لاسيما الشق الترفيهي منه. نحن اليوم أمام ظاهرة American Idol التي كمفهوم مستورد لا تختلف عن ترجمتها الركيكة "المعبود الأمريكي" وغيرها كثير مثل "من سيربح المليون" و"بيج بروذر" وترجمتها المريبة "الرئيس" و"عجلة الحظ" Wheel of Fortune وغيرها كثير.
لماذا تمثل هذه الأمور غزوا ثقافيا؟ لأنها مستعارة كما هي ولم يكلف أي شخص عناء توطينها ضمن إطار الثقافتين العربية والإسلامية.
وهل هناك ما يمكن الإشارة إليه من أجل توطين مثلا البرامج الترفيهية الأجنبية استنادا إلى العمق الثقافي العربي والإسلامي؟ نعم هناك كثير ولكن لنجعل الجواب مادة لرسالة قادمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي