إعاقة التنمية
لعل الفترة الماضية من هذا القرن وما قبله بعقدين توضح كيف أن منطقتنا تحت المجهر. إن استمرار التباعد بين مكونات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وانتشار الفكر غير الإيجابي ورفض الآخر بشكل لم يكن موجودا في عقود وقرون مضت, أصبح حصان طروادة الذي استغله الأعداء لتكوين منظومة جديدة يخاف فيها الكل من الكل.
لكن, هل تعلمنا من أخطائنا وحاولنا أن نتجاوز الاختلاف إلى البناء على المشتركات؟ هذا السؤال واجهه طموح وأطماع البعض الذين استسهلوا ابتلاع الآخرين والسيطرة على مقدراتهم وشعوبهم, وهو نتيجة واضحة لأبحاث قدمتها شركات استشارية بنت على الفروق الظاهرة في المجتمعات, لكنها بحكم لونها ومصدرها لم تفهم السبب الأساس الذي أوجد هذه الفروق, والإمكانات الكبرى لتجاوزها في حالات معينة في عالم قديم قدم التاريخ.
يبقى أن نعلم أن دول المنطقة تعيش حالة عدم التوازن دون رغبة منها, وإنما نتيجة لوقوع مخططيها ومؤسسي فكرها العسكري تحت سيطرة نظريات روجت لها مراكز البحوث والدراسات التي تعطي كل واحدة من هذه الدول الاعتقاد بأنها هي السيدة, وأن بإمكانها البناء على نقاط ضعف الدول الأخرى والوصول بسهولة إلى مرادها.
خذ كمثال فكرة البعث العربي, ثم القطرية, ثم الحرب العراقية الإيرانية ثم الكويتية. استمرت فكرة أنه يمكن السيطرة على المنطقة إلى اليوم في السيطرة على عقول المخططين في دولة مثل إيران. كل المخططات التي استهدفت تدمير المنطقة كانت تعتمد على القناعة العامة في الشعوب بهيبة ونقاء فكر وأهداف المنظر الذي يبدو أنه أبعد ما يكون عن العدالة والنقاء.
الواضح هنا أيضا أنه لو التفت أي منا إلى الخلف لاكتشف أننا جميعا خسرنا وبشكل كبير نتيجة الفكر المسيطر الذي يرى إمكانية الاستيلاء على كل القرارات وتدمير كل الشعوب وتكوين دول مبنية على فكرة واحدة في عالم هو الأكثر اختلافا وتلونا بحكم تاريخ المنطقة وتراثها الذي يتجاوز آلاف السنين.
لا تزال مناورات إقناع القادة السياسيين بصحة نظرية السيطرة هذه, وقد تكون دلالتها عمليات التدخل في العراق وما تلاها من إدراج للمذهبية والطائفية في تكوين الدولة لتصبح أضعف من أن تسيطر على أرضها. هذه العمليات قد تكون مصطنعة لتمرير المخطط والفكر نفسه وأهداف نتحدث عنها غدا.