إلى أين تتجه أسعار النفط خلال العام المقبل؟
صدرت في مطلع الأسبوع الماضي الميزانية العامة للدولة والتي بلغت تقديراتها للعام المقبل رقماً تاريخياً لم تبلغه في أي عام سابق، بنفقات قدرت بـ 410 مليارات ريال في مقابل إيرادات تقدر بـ 450 مليار ريال. هذه التقديرات تعكس بشكل كبير التوقعات بشأن أسعار النفط المستقبلية والذي يمثل العصب الرئيس للموارد المالية للدولة، حيث قدر عدد من المتخصصين أن تقديرات الميزانية معدة على أساس سعر متحفظ لبرميل النفط يتراوح بين 40 و45 دولاراً للبرميل. هذا على الرغم من أن التوقعات بشأن أسعار النفط تتجه إلى الارتفاع عن هذا المعدل بـ 35 دولاراً للبرميل على أقل تقدير. وتلعب التنبؤات التي تعدها الهيئات والمنظمات المتخصصة في معلومات الطاقة دوراً رئيساً في تحديد توجهات قطاع النفط وأسعاره في المستقبل، والتي تعد بناءً على تنبؤات تتعلق بالعوامل السياسية وتقديرات النمو الاقتصادي العالمي إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بالمخزونات والطقس في مختلف أنحاء العالم. وفي مجملها تشير تنبؤات الهيئات المتخصصة بشأن الطلب على النفط واتجاهات الأسعار إلى نمو في الطلب على النفط والأسعار خلال العام المقبل وذلك على الرغم من التوقعات المتشائمة بشأن النمو الاقتصادي العالمي خلال العام المقبل.
وفي هذا الصدد أركز بالتحديد على التقديرات التي صدرت من قبل هيئة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي والمتعلقة بتنبؤات الإنتاج والاستهلاك وأسعار النفط خلال عام 2008. حيث تتوقع هيئة معلومات الطاقة أن تظل أسواق النفط متماسكة خلال العام المقبل، وذلك بالنظر إلى توقعات النمو المتعلقة بكل من الطلب والعرض سواء من داخل أو خارج منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك". ففي حين تتوقع الهيئة نمو الطب على النفط بشكل متسارع خلال العام المقبل، تتوقع أيضاً أن يكون هذا النمو بشكل أسرع من معدل نمو العرض من خارج "أوبك" ما يعني أن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" ستستمر في لعب دور الموازن لأسعار النفط المتجهة للتصاعد حتى خلال العام المقبل. إضافة إلى ذلك ترى الهيئة أن العوامل الجيوسياسية وانخفاض المخزونات الاستراتيجية لدى منظمة دول التعاون والتنمية OCED وبلوغ الإنتاج في المصافي مرحلة الذروة، كل هذه عوامل تضيف إلى التوقعات باستمرار ارتفاع الأسعار في العام المقبل ما يزيد من أهمية الدور الذي ستلعبه دول منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وخصوصاً السعودية في موازنة الأسعار.
وسيلعب عامل زيادة الاستهلاك دوراً رئيساً في استمرار أسعار النفط على مستوياتها المرتفعة والتي يتوقع أن تبلغ 80 دولاراً للبرميل في المتوسط خلال العام المقبل (فيما يتعلق بنفط غرب تكساس). حيث يتوقع أن يرتفع الاستهلاك خلال عام 2008 بمعدل 1.4 مليون برميل يومياً عن مستواه خلال عام 2007 مدعوماً بشكل كبير من زيادة الطلب من الصين والدول الآسيوية غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية. ويتوقع أن تستحوذ الصين لوحدها على ما مقداره 400 ألف برميل من هذه الزيادة المتوقعة خلال عام 2008. ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من ارتفاع الأسعار خلال عام 2007 إلا أن ذلك كان له تأثير طفيف على مستوى الاستهلاك اليومي للنفط، إذ لم يتعد الانخفاض في الاستهلاك في الولايات المتحدة خلال الربع الثالث من عام 2007 الـ 210 آلاف برميل يومياً، وذلك ناتج بشكل كبير عن ضعف مرونة الطلب على النفط وعدم توافر البدائل له بشكل فوري. حيث لا يوجد خيار آخر مثلاً للمستهلك الأمريكي عن استخدام غاز التدفئة خلال فصل الشتاء ما يجعل الاستجابة العكسية لارتفاع أسعار النفط منخفضة نسبياً خصوصاً على المدى القصير.
وفيما يتعلق بالإنتاج خلال العام المقبل يتوقع التقرير أن يرتفع مستوى الإنتاج من خارج دول "أوبك" بمعدل 0.9 مليون برميل يومياً ستأتي بشكل كبير من البرازيل والولايات المتحدة وروسيا وكندا، وسيكون لها دور كبير في موازنة انخفاض إنتاج كل من المكسيك وبريطانيا والنرويج ومصر. وهذا يعني أن زيادة الإنتاج من خارج دول "أوبك" لن توازن الزيادة في الاستهلاك ما سيضغط بشكل كبير على كل من دول "أوبك" وعلى المخزونات الاستراتيجية لتغطية العجز والتحكم بالارتفاع المتوقع في الأسعار. أما فيما يتعلق بالإنتاج من دول "أوبك" فتوقعات هيئة معلومات الطاقة الأمريكية تشير إلى زيادة الإنتاج خلال الربع الأول من عام 2008 بمعدل 400 ألف برميل يومياً وليبلغ معدل الإنتاج اليومي خلال عام 2008 لدول "أوبك" 31.7 مليون برميل يومياً. إضافة إلى ذلك فإن المنتجات النفطية المكررة من دول "أوبك" يتوقع أن ترتفع بمعدل 300 ألف برميل يومياً. أما فيما يتعلق بالمخزونات الاستراتيجية لدول منظمة التعاون والتنمية فيتوقع أن تستمر في الانخفاض لتستقر تحت معدلها للسنوات الخمس الماضية.