رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


أسعار الأغنام بين المستهلك والمنتج

تشير بعض وسائل التواصل الاجتماعي والتقارير الصحافية إلى تراجع أسعار الأغنام خلال الفترة الأخيرة في معظم مناطق المملكة، مع مبالغة واضحة في تقدير التراجع. ولا تتوافر بيانات رسمية عن حركة أسعار الأغنام، ولهذا يصعب تحديد حجم التراجع في الأسعار، ولكن يوجد نوع من الإجماع على حدوثها. وتتحدد أسعار أي سلعة أو خدمة في أي سوق بناء على عوامل عرضها والطلب عليها، حيث تنخفض الأسعار في حالة زيادة العرض أو تراجع الطلب، أو في حالة حدوث الأمرين في الوقت نفسه.
نظرا لانفتاح أسواق المملكة النسبي على أسواق الأغنام العالمية فإن تغيرات أسعار وإمدادات الأغنام العالمية تؤثر في تكاليف استيرادها، فإذا هبطت الإمدادات العالمية ارتفعت أسعار الأغنام المستوردة وازدادت تكاليفها والعكس صحيح. وأدى اندلاع الأزمة السورية إلى وقف إمدادات الأغنام الكبيرة المستوردة منها، التي كانت تسهم في تلبية جزء كبير من الطلب المحلي على الأغنام، الأمر الذي قاد إلى قفزة في الأسعار. من جهةٍ أخرى فإن توافر الإمدادات العالمية لا يضمن تراجع الأسعار، حيث تؤثر القيود التي تفرضها الجهات المسؤولة في المملكة في أسعار واردات الأغنام. وكانت المملكة تفرض نوعا من تراخيص الاستيراد على واردات الأغنام، وهذا الإجراء كان يحد من تدفق الأغنام ويرفع الأسعار بعض الشيء، والمعروف أن نظام الحصص في أي سلعة يحد من تدفقها ويرفع الأسعار. من جهة أخرى، تفرض في بعض الأوقات قيود صحية على الاستيراد من دول منتجة مؤثرة في إمدادات الأغنام وهو ما يرفع أسعار الاستيراد. ويبدو أن الفترة الأخيرة شهدت تسامحا أكبر في الاستيراد ورفع القيود المفروضة لأسباب محجرية على واردات الأغنام من دول متعددة، وهو ما أسهم في زيادة التنافس على أسواق المملكة بين الدول المصدرة للمواشي وخفض أسعار المواشي المستوردة. وتشير بعض التقارير الصحافية غير المؤكدة إلى هبوط أسعار بعض أنواع الأغنام المستوردة بنحو 50 في المائة. ويقود تراجع أسعار ورادات الأغنام القريبة أو المنافسة للأغنام المحلية إلى زيادة الطلب على المستورد وتراجع الطلب على الأغنام المحلية وانخفاض أسعارها. ونظرا لكون الطلب على الأغنام ولحومها يتصف بدرجة معينة من عدم المرونة - بسبب تفضيل وتعود السكان على لحومها وارتباط كثير من العادات والتقاليد والمناسبات بأكلها- فإن زيادة محدودة في الإمدادات تؤثر بقوة في الأسعار وتخفضها بنسب أقوى.
ليس هناك أي معلومات متوافرة حديثة عن حجم الطلب على الأغنام ولكن بعض وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد تراجعه، وقد يكون هذا صحيحا. ويمكن أن ينخفض الطلب في حالة حدوث تراجع معدلات الدخل، أو تغير العادات والأذواق والخصائص السكانية، وزيادة أسعار السلعة أو تراجع تكاليف السلع البديلة. ولا يوجد شك في ارتفاع مستوى الطلب تاريخيا على اللحوم الحمراء في المملكة، التي تشكل لحوم الأغنام معظمها، ولكن ارتفاع أسعارها خلال السنوات الماضية أثر بشكل سلبي في مستويات الطلب وخفض معدلات استهلاكه للفرد بشكل ملحوظ، إضافة إلى ذلك أسهمت زيادة أسعار لحوم الأغنام بقوة في زيادة الطلب على اللحوم الحمراء الأخرى والبيضاء البديلة، كما حفزت زيادة أسعار الأغنام المحلية الطلب على لحوم الأغنام المستوردة الأقل سعرا. وقد يكون لزيادة الوعي بمخاطر الإكثار من اللحوم الحمراء الصحية دور في خفض معدلات استهلاك الفرد من اللحوم الحمراء بشكل عام. وعموما يبدو حدوث تضافر بين عوامل الطلب والعرض في خفض أسعار الأغنام خلال الآونة الأخيرة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن انخفاض الأسعار سيستمر لفترة طويلة فأي زيادة في حجم الطلب وتراجع في حجم العرض سيؤثر سلبا في الأسعار ويدفعها إلى الأعلى.
تملك المملكة ثروة كبيرة من الأغنام، حيث قدر الإحصاء الزراعي عدد الضأن في المملكة بنحو 17.5 مليون رأس بينما بلغ عدد الماعز نحو ستة ملايين رأس. وانخفاض أسعار الأغنام بقوة سيؤثر سلبا في ثروات ومداخيل مربيها، وارتفاع أسعارها سيؤثر سلبا في مستهلكيها، ولهذا فإن سياسة الاستيراد لا بد أن توازن بين مصالح ملاك الأغنام ومصالح المستهلكين لكيلا يحدث ضرر كبير على الجانبين. صحيح أن أسعار الأغنام ارتفعت بقوة خلال السنوات الماضية، وقد صحح التراجع الأخير جزءا من زيادة الأسعار - ومن حسن حظ المستهلكين أنه جاء في موسم الأضاحي - ولكن استمرار الانخفاض لفترة طويلة وزيادة حدته ستؤثران بشكل سلبي في ثروة المملكة من الأغنام. ويفيد بعض مربي المواشي بتوجه عديد منهم لخفض عدد مواشيهم بسبب تراجع الأسعار الأخير وارتفاع مخاطر تغير سياسات دعم الأعلاف، وقد فاقم تخلص بعض المربين من مواشيهم من الفائض في عرض المواشي المحلية في الأسواق. وتستورد المملكة نحو ثمانية ملايين رأس من الضأن سنويا لتغطية الفجوة بين الطلب والعرض المحلي، وحدوث زيادة كبيرة في الواردات قد يحدث أضرارا بالغة بالمنتجين المحليين ويعرض الأمن الغذائي للمملكة لمزيد من المخاطر. أما خفض الواردات فليس مرحبا به من معظم السكان ولهذا ينبغي توخي الحرص الشديد في تحديد حجم الاستيراد كما ينبغي توضيح الرؤية طويلة الأمد لسياسات دعم الأعلاف والشعير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي