تغيير الذات
جذبتني قصة سائق التاكسي الذي كون لنفسه شخصية مميزة لا يجدها أغلبنا في سائقي التاكسي، بل قد لا يكون أحد منا قد عاش التجربة نفسها أبدا. الشخصية الرائعة التي تقدم التحية للزبون بمختلف اللغات، وتقدم له الخيارات من المشروبات، وتطلب منه اختيار ما يرغب في سماعه، ثم تحديد السرعة التي يرغب أن يصل بها وجهته، نادرة فعلا.
هذا السائق ــ كما قال هو شخصيا ــ تغيرت نظرته إلى العمل الذي يقوم به، وتحسنت رؤيته للأشياء من حوله، إضافة لحصوله على مزيد من الزبائن بسبب التنظيم الجديد الذي اختاره ليتميز عن الآخرين. السبب الرئيس وراء تجربة كهذه هو بداية تفشي الملل وعدم الإحساس بالراحة النفسية للعمل الذي كان يؤديه السائق عندما كان يتعامل مع الزبائن بالنظام الذي يستخدمه أغلب سائقي التاكسي.
يفتقد سائقو التاكسي عموما هذه الروح الخلاقة، مع أن هذه المهنة واحدة من المهن الأساسية التي يعمل فيها كثير من سكان الدول الأخرى، بعكس ما يحدث عندنا. هذه الوظيفة يعمل فيها مواطنو هذه الدول، ما يعني أن دخلها يمكن أن يوفر الحاجات الاقتصادية لأسرة كاملة وهذا أمر مهم.
أعود لهدفي من هذا المقال وهو تشجيع محاولات صنع النماذج الفريدة في بيئة العمل، لننتقل من الرتابة والبحث عن الأعذار لمغادرة العمل وانتظار نهاية الدوام بفارغ الصبر، وتمني وجود بديل يحقق الراحة النفسية والذهنية، إلى موظف منتج سعيد مبدع. كيف يمكن أن نصنع تغييرا كهذا، وهل يمكن أن نفعل ذلك في كل البيئات؟
المؤكد أن الإنسان بتركيبته الأساس لا يختلف عن غيره كثيرا، تأتي المتغيرات من حوله لتكون شخصيته واهتماماته. المتغيرات الاجتماعية تأتي في المقام الأول، ثم تتبعها المؤثرات الاقتصادية والتربوية والبيئية كموجهات لسلوكه. عندما يتمكن الواحد من التخلص من التأثير السلبي حوله، ستكون له شخصية مستقلة، وهذا بداية التفرد الذي يمكن أن ينشأ عنه الإبداع.
يتبنى الواحد مجموعة من القيم، وما لم تكن تلك القيم دافعة لتكوين شخصية مستقلة رائدة، فعليه أن يخرج من الدائرة التي وضعه مجتمعه فيها، والمؤثرات التي تعيق خروج العملاق المبدع داخله، وأهم هذه المؤثرات هو ضغط الزملاء وبيئة العمل نفسها.. وهذا مجال الحديث غدا بحول الله.