بذرة الاستبداد فكرة
عبر التاريخ، وفي كل مجتمعات الأرض يظهر أشخاص يسجلهم التاريخ في سجلاته، ودفاتره لكن ماذا يسجل التاريخ لهؤلاء؟! أي ماذا تحتوي دفاتر التاريخ؟ هل تحتوي إيجابيات في معظمها، أم الغالب عليها سلبيات، التاريخ يسجل في الغالب للقادة، والمفكرين، والمخترعين والفلاسفة أمثال ابن خلدون وابن الهيثم وأينشتاين وديكارت، ومن أحسنوا للإنسانية ومن أساءوا إليها، وليس الأمر مقتصرا على الأفراد، بل عناية التاريخ تطول النظام السياسي والدولة بكاملها، بل ربما عرقا من الأعراق.
حكم لينين، وستالين الاتحاد السوفياتي، وأبرز ما تضمنته سجلاته بشأنهما القتل، والترحيل، والبطش والتنكيل، وأبشع أساليب الاستبداد كافة، حتى صار مفهوم الاستبداد مقترنا بهما في الزمن الذي حكما فيه الاتحاد السوفياتي، كما أن هتلر له نصيبه في البطش ذي النزعة العرقية التي تميز العرق الألماني عن غيره من الأعراق الأخرى، وهذا ما تسبب في نشوب الحرب العالمية الثانية، وما ترتب عليها من قتل لعشرات الملايين من الناس، إضافة إلى تدمير المدن خاصة الأوروبية، وانتشار الأوبئة نتيجة أسلحة الدمار الشامل.
هولاكو، وما فعله في العراق وتحديدا عاصمتها بغداد، إذ لم يكتف بقتل البشر، بل تعدى بطشه واستبداده إلى تدمير وإحراق عناصر الحضارة، إذ لم تبق مكتبة، ولا كتاب في مكتباتها العامرة، حتى إن الفرات ظل يجري ملونا بالحبر لفترة طويلة. وفي الجانب الآخر من العالم في أمريكا الجنوبية، وتحديدا في تشيلي حكم بينوشيه وطنه بالحديد والنار، وسام شعبه سوء العذاب، وأشد أصناف البطش. كما أن الرئيس بوش الابن في أمريكا الشمالية له سجل حافل في الكراهية، والبطش، ويكفي الاستشهاد بما فعلته القوات الأمريكية من قتل وتدمير في العراق، حيث قتل ما يقارب المليون ونصف المليون، إضافة إلى الإعاقات، والأمراض الناجمة عن استخدام الأسلحة شديدة البطش والتدمير من فوسفوري وعنقودي. كما أن استمرار أمريكا وروسيا في التنافس لبسط نفوذيهما واستعراض قواتهما على دول أخرى يؤكد وجود مغذيات ومحفزات إن على مستوى الأفراد، أو على مستوى الدولة، ونظام الحكم القائم على الرأسمالية المتوحشة المؤطرة باتجاهات دينية يمينية متطرفة لا ترى إلا مصالحها دون غيرها، حتى إن كانت مصالحها على حساب قوت الآخرين.
عالمنا الإسلامي والعربي في تاريخه القديم والحديث مرت عليه زعامات مستبدة مثلت نقطا سوداء في تاريخ الأمة بممارساتها الاستبدادية البشعة التي طالت العلماء، والمصلحين، كما فعل الحجاج مع ذوي الرأي، وغيرهم ممن يظن فيهم معارضة الدولة، حتى إن كان في الرأي. إيران تمثل نموذجا واضحا للدولة المستبدة في العصر الحديث، إذ ما إن وطئت قدما الخميني بعد عودته من فرنسا إلا وتوعد جيرانه بتصدير الثورة حتى اندلعت حرب الثماني سنوات مع العراق قتل فيها مئات الآلاف، ودمرت مدن، وأنفقت أموال، وثروات، وهاهي تمارس الدور نفسه في العراق، وسورية، تارة بحجة الأماكن المقدسة، وتارة بحجة محاربة التكفيريين، وأخرى بحجة الحفاظ على مصالحها الوطنية.
إذا كانت سورية والسوريون قد ابتلوا بطهران من جهة وموسكو من جهة أخرى، فإنهم ابتلوا قبله بنظام بطش حكمهم أكثر من 40 سنه شهدت أبشع وأقذر أصناف التعذيب، والقتل، وحرمان الشعب من أبسط حقوقه، ولا يغيب عن الذاكرة ما حدث في حلب، حيث قتل الكثير من الأفراد. أما واقع سورية الحالي، وما ارتكبه النظام من ممارسات بشعة في حق البشر والحجر والشجر فتتبرأ منه البشرية الحقة غير المزيفة.
ما حدث ويحدث في العالم، وعبر حقب التاريخ لا يمكن فصله عن الفكر كمحرك أساس لكل الأفعال البشعة التي تنفر منها النفوس السوية والفكر قد يكون طابعه عرقيا أو دينيا أو مفهوما وطنيا خاطئا أو طموحا فرديا أو مصلحة فئة داخل مجتمعها ترى أن الحق لها دون غيرها كما هو الحال في سورية حيث الأقلية العلوية ترى أن لها الحق في حكم سورية والاستئثار بخيراتها ومصالحها على حساب قوت الشعب السوري.