السعودية: لا توقف عن إتمام الاستراتيجية النفطية
أثبتت السنوات بل العقود الماضية، أن المملكة لم تتردد في التحرك من أجل جعل استقرار أسواق النفط أكثر استدامة، واتبعت المرونة في التعاون مع الجهات العالمية المختلفة، لضمان أسعار عادلة للمستهلكين والمنتجين. حتى إنها اتخذت قرارات منفردة لتأمين مزيد من الاستقرار للسوق، رغم أنها تأثرت هي سلبيا من هذه القرارات. فالسعودية تعمل في الواقع لتحقيق الاستقرار في كل الفصول للسوق النفطية، ولم تعمل على الإطلاق من أجل نتائج موسمية أو آنية، لا تلبث أن ينتهي "مفعولها". ووفق هذا المنهج، أطلقت قبل عامين تقريبا استراتيجيتها الواضحة، المستندة إلى ضرورة بسط الاستقرار لهذه السوق، بصرف النظر عن التكاليف الناجمة عن ذلك. وكانت المملكة أول المتضررين الآنيين من هذه الاستراتيجية، بعد أن هبطت أسعار النفط إلى أكثر من النصف في غضون أسابيع.
غير أن هذا لا يهم، طالما أن الهدف يصب في مصلحة السوق وبالتالي لفائدة المنتجين والمستهلكين في آن معا. فضلا عن أن هذه الاستراتيجية تستهدف أيضا إخراج المنتجين الذين يعملون "من تحت الطاولة" من السوق، لأنهم أحدثوا خرابا كبيرا فيها على مدى عدة سنوات. إنهم ببساطة يريدون جني الفوائد من إنتاجهم فقط، دون أن تكون لهم مسؤولية في توازن السوق، وضمان إمدادات عالمية تتناغم واحتياجات كل الأطراف المعنية. كان لا بد من التضحية لإنهاء "المغامرات" النفطية التي يعرف الجميع من يقوم بها. وهذه الاستراتيجية تضمن (من ضمن ما تضمن) إنهاء - إلى الأبد - قيام السعودية بدور الضامن الوحيد للسوق النفطية. فهذه السوق عالمية، وفيها من الأطراف الكثير، وعلى الجميع تحمل مسؤولياتهم، خصوصا أولئك الذين ينتمون إلى بلدان كبرى، لها دور أساس في الاقتصاد العالمي.
ورغم تمسكها الشديد بهذه الاستراتيجية باعتبارها الحل الوحيد لكل مشكلات السوق، أبدت مرونة وتعاونا مع كل من يرغب حقا في العمل من أجل تجميد الإنتاج، لرفع الأسعار إلى المستويات المنشودة، أو بالأحرى إلى المستويات الأقرب إلى ما هو منشود. غير أنها واجهت (كالعادة) التخريب الإيراني (وهو تخريب يشمل كل شيء وليس النفط فقط)، برفض نظام الملالي التعاون، بحجج واهية. وهذا السلوك الإيراني يتعارض ببساطة مع الاستراتيجية التي تبنتها السعودية، من أجل الجميع وليس من أجلها فقط. ولم تسد الباب في وجه من يسعى بالفعل إلى اتفاق البلدان المنتجة للنفط داخل منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) وخارجها، لتعلن بوضوح عن التفاهم مع روسيا لتحقيق هدف تجميد الإنتاج، ولكن بشرط وحيد، وهو عدم عودة المملكة للعب دور المرجح.
والاتفاق السعودي-الروسي (على أهميته) لا يضمن تعاون بقية الأطراف ولاسيما إيران، التي تنتهج سياسة ليست تخريبية فحسب بل مضطربة، من خلال تصريحات متناقضة حتى بين المسؤولين الإيرانيين أنفسهم. ومواقف تنتهي قبل أن تبدأ، وغير ذلك من السلوكيات التي اعتاد العالم أن يراها ضمن الحراك الإيراني العام. أنعش الاتفاق بين الرياض وموسكو الأسواق كما هو متوقع، لكنه أيضا يتطلب تعاونا أشمل وأوسع من البلدان التي اعتادت على إغراق السوق، من أجل مزيد من المكاسب المتعارضة مع استدامة السوق نفسها. ورغم أهمية التركيز على التخفيف من تقلبات السوق، إلا أن الأهم يبقى تعاون كل البلدان المنتجة من أجل تحقيق الهدف المحوري للجميع، وهو استقرار السوق النفطية، والحفاظ على استدامتها وتحصينها من الهزات. وكل هذا وارد أصلا باستراتيجية السعودية التي أطلقتها للعالم وتعمل على تنفيذها بصرف النظر عن أنين البعض من تراجع إيراداته.