نزيف الإنتاج الأمريكي يقترب من نهايته
أسعار النفط ما زالت تراوح قرب 50 دولارا للبرميل ولم تتجاوز هذا الحاجز بكثير، لكن في الآونة الأخيرة بدأنا نلمس تفاؤل شركات النفط الأمريكية بخصوص تعافي إنتاجها. من دون شك قد لا تعود معدلات النمو إلى سابق عهدها عندما ارتفع إنتاج النفط الأمريكي بنحو مليون برميل في اليوم على مدى ثلاثة أعوام متتالية، لكن تراجع الإنتاج الذي دام نحو أكثر من عام قد يكون اقترب من نهايته. مما لا شك فيه، أن صناعة النفط الأمريكية لا تزال تعاني مديونية كبيرة، والشركات لم يعد بمقدورها الحصول على قروض ميسرة. في الواقع، أسعار النفط المنخفضة مستمرة في تقييد مقدار ما يمكن أن تنفقه الشركات على عمليات الحفر والإنتاج، ولكن إقبال المستثمرين على تمويل المشاريع الاستخراجية في الولايات المتحدة لا يزال قويا.
المزيد من شركات الاستكشاف والإنتاج الأمريكية لا تزال في وضع يمكنها من استئناف نشاطها السابق الذي سوف يمكنها، على أقل تقدير، من وقف نزيف تراجع الإنتاج الذي كان مسؤولا عن خفض إنتاج الولايات المتحدة بأكثر من مليون برميل في اليوم منذ ذروته في حزيران (يونيو) 2015. بين عامي 2014 و2016 خفضت شركات النفط الأمريكية معدلات الإنفاق على مشاريع المنبع بنسبة 70 في المائة، وفقا لمصارف الاستثمار المحلية. ونتيجة ذلك انخفض إنتاج النفط في الولايات المتحدة من الذروة التي بلغت 9.6 مليون برميل في اليوم في العام الماضي إلى 8.55 مليون برميل في اليوم اعتبارا من منتصف شهر آب (أغسطس)، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وتقدر الإدارة أن إنتاج النفط الصخري كان مسؤولا عن نحو نصف تلك الانخفاضات والمستقر حاليا عند أربعة ملايين برميل في اليوم.
استقرار إنتاج النفط في الولايات المتحدة أمر بالغ الصعوبة، لأن معدلات تراجع الإنتاج الحادة في تشكيلات النفط الصخري مترسخة وتبقى ميزانيات شركات الاستكشاف والإنتاج ضعيفة. إذا لم تكن استثمارات المنبع كافية لوقف تراجع الإنتاج، سوف يستمر تقلص التدفقات النقدية حتى إذا استقرت أسعار النفط، وسوف يصبح من الصعب على نحو متزايد من وجهة النظر التشغيلية إدارة الإنتاج والاحتياطيات.
إذا ما تم زيادة الاستثمارات بصورة كبيرة في محاولة للعودة بسرعة إلى معدلات النمو القوية، من الممكن أن ترتفع التكاليف، حيث إن قطاع الخدمات الهندسية المتقلص يكافح لمواكبة الطلب، ما قد يؤدي إلى إلحاق الأضرار بميزانيات الشركات مرة أخرى. وتحاول شركات الاستكشاف والإنتاج اتخاذ قرارات الاستثمار الصائبة من خلال التركيز على استقرار إنتاجها عند سعر 50 دولارا للبرميل وبناء بنية تحتية تحسبا لأي نمو مطرد في الإنتاج فيما إذا الأسعار كسرت حاجز 60 دولارا للبرميل.
تراجع إنتاج مكامن النفط الصخري أسرع بكثير من نظيراتها التقليدية، لذلك فإن انخفاض معدلات الحفر يمكن أن يؤدي إلى تسارع معدلات تراجع الإنتاج. تظهر بيانات إدارة معلومات الطاقة أن إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة كان ينخفض بمعدل 1 في المائة على أساس سنوي في بداية عام 2016، ولكن بحلول شهر حزيران (يونيو)، بلغت معدلات الانخفاض خانة العشرات. ويقدر بعض المحللين أن معدلات تراجع الإنتاج السنوية لتشكيلات النفط الصخري في الولايات المتحدة هي أعلى من 10 في المائة، ومن المرجح أن تزداد سوءا قبل أن تبدأ بالتحسن.
لكن الشركات المنتجة تعتقد أنه بإمكانها أن تعكس هذا الاتجاه الهبوطي بطريقتين. أولا، أنها سوف تبدأ باستنزاف خزينها من الآبار المحفورة ولكن غير المكملة في وقت لاحق من هذا العام، وهذا الإجراء سوف يمكنها من استعادة بعض الزخم من دون استثمارات كبيرة. في هذا الجانب، تشير دراسة أجريت حديثا على اثنتي عشرة شركة كبيرة إلى أن بمقدور هذه الشركات وحدها إكمال نحو 775 بئرا محفورا بكلفة لا تتجاوز ثلاثة مليارات دولار، أي بنحو ثلث نفقاتهم الرأسمالية المتوقعة لعام 2017. ثانيا، بدأت الشركات بزيادة عدد منصات الحفر العاملة في تشكيلات النفط الصخري، لذلك من المتوقع أن تكون هناك أعداد كبيرة من الآبار الجديدة جاهزة للإنتاج في بداية عام 2017. ووفقا لشركة بيكر هيوز لخدمات الحقول النفطية، أن شركات النفط في الولايات المتحدة أضافت نحو 90 منصة حفر على مدى 12 أسبوعا الماضية، أي بزيادة قدرها 28 في المائة.
إذا ما تمكنت شركات النفط الأمريكية من وضع حد لتراجع الإنتاج الحاد عند سعر قرب 50 دولارا للبرميل، فإن الفضل في ذلك سيعود إلى حد ما إلى تحسين الكفاءة، خفض تكاليف الخدمات الهندسية واستخدام التقنيات الذكية (Smart Technology). لكن التكاليف تعد هدفا متحركا من شأنها أن تتغير مع تغير أسعار النفط. ولكن المنتجين يأملون استمرارهم بالاستثمار بتقنيات جديدة في شتى المجالات من حفر، إلى إكمال وإنتاج سوف يكون كافيا لإبقاء تشكيلات النفط الصخري الرئيسة قادرة على المنافسة اقتصاديا على النطاق العالمي.
تعمل شركات النفط جاهدة باعتماد كل الوسائل والتقنيات المتاحة لديها لاستخراج أكبر كمية من النفط مقابل كل دولار يتم إنفاقه. ونتيجة لذلك، تتوقع إدارة معلومات الطاقة، أنه حتى لو بقيت أسعار النفط دون 50 دولارا للبرميل إلى شهر أيار (مايو) 2017 وارتفعت ببطء إلى 60 دولارا للبرميل بحلول كانون الأول (ديسمبر)، فإن إنتاج الولايات المتحدة يجب أن يعود للنمو الثابت بعد بضعة أشهر صعبة. وتضيف الإدارة أن الإنتاج المحلي سوف يصل إلى أدنى مستوياته في شهر أيلول (سبتمبر) عام 2017 قرب 8.06 مليون برميل في اليوم، وسيعود إلى 8.34 بحلول كانون الأول (ديسمبر).