ركوب الدراجات وظروف المعيشة الاقتصادية

ركوب الدراجات وظروف المعيشة الاقتصادية

نميل إلى التفكير في أن رياضة ركوب الدراجات تعتبر شكلا ترفيهيا من أشكال الرياضة. من الممكن أن تأخذنا الدراجة إلى وجهة معينة – مثل مكان ما نختاره عن قصد-، ولكنها يمكن أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك العالم الحقيقي ... إلى شيء يمس حياة الآخرين ... ونادرا ما نفكر في ركوب الدراجات على أنه هواية خيرية يمكن أن تخدم قضية إنسانية عن طريق توفير فرص للأطفال المحرومين وتحسين ظروفهم المعيشية. "ركوب الدراجات من أجل غزة" عبارة عن مبادرة لا تهدف إلى الربح تقودها مجموعة من الأفراد المتحمسين الذين يقومون بجمع التبرعات سنويا من أجل الأطفال الفلسطينيين. إنها تضم أناسا من مختلف الجنسيات وخلفيات ثقافية وتعليمية متنوعة، يجمعون على أن للأطفال، وخاصة في مناطق الحروب، الحق في أن ينعموا بظروف معيشية جيدة وبتعليم جيد.
وتستهدف المجموعة حشد الدعم لأطفال غزة على وجه الخصوص، لمعالجة آثار حربي عامي 2009 و2014 على قطاع غزة. لقد أحدث النزاع في عام 2014 على وجه الخصوص عواقب كبيرة على الأطفال، حيث إنه وفقا للأمم المتحدة، "ألحق الصراع الذي استمر لمدة 51 يوما أضرارا بما يقرب من 258 من المدارس ورياض الأطفال، بما في ذلك 26 مدرسة غير قابلة للإصلاح". (اليونيسيف، 2016). وبصرف النظر عن الضرر الذي أصاب البنية التحتية، فقد ذكرت دراسة حديثة للبنك الدولي أن "ثلث أطفال غزة فقط (34 في المائة) يحصلون على رعاية الطفولة المبكرة والتعليم، و47 في المائة فقط يشاركون في أنشطة تتعلق بتنمية الطفولة. إضافة إلى ذلك، فإن نسبة أساليب التأديب العنيفة لضبط سلوكيات الأطفال مرتفعة بواقع 96 في المائة". (2) ويشير المزيد من الدراسات إلى أن "66 في المائة من الأطفال الفلسطينيين، بالتالي، يعيشون تحت خط الفقر. ويتلقى ما يقرب من 80 في المائة من سكان غزة نوعا ما من أنواع المساعدة الاجتماعية، ونحو 40 في المائة منهم ما زالوا تحت خط الفقر". (البنك الدولي، 2015) وبرزت كذلك قضايا البطالة والصحة؛ وفي هذا الصدد، قال ستين لاو يورجنسن، المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة "إن الأرقام الخاصة بالبطالة والفقر في غزة مزعجة جدا والتوقعات الاقتصادية مثيرة للقلق. كما أن بيئة السوق الحالية في غزة ليست قادرة على توفير وظائف، ما يصيب عددا كبيرا من السكان بحالة من اليأس وخاصة الشباب". (البنك الدولي، 2015). وتتمثل رسالة مبادرة "ركوب الدراجات من أجل غزة" في زيادة الوعي وحشد الدعم المالي لمصلحة منظمات غير هادفة للربح مختارة بعناية تقدم مساندة تعليمية وصحية مهمة للمجتمعات الفلسطينية الأكثر هشاشة واحتياجا، وذلك بهدف إنشاء مشاريع مستدامة. ويحشد الفريق أناسا من جميع أنحاء العالم للعمل معا في فعالية سنوية لركوب الدراجات، في جهد جماعي لرفع الوعي وجمع التبرعات.
بعض المؤسسين المتحمسين لمبادرة "ركوب الدراجات من أجل غزة" الذين يقومون بممارسة ركوب الدراجات سنويا في عام 2009، نظمت المبادرة فعالية لركوب الدراجات لمدة ثلاثة أيام من لندن إلى باريس لمساندة المساعدات الطبية للفلسطينيين ومشاريع الرعاية الصحية الطارئة لهم في غزة. شارك نحو 27 من راكبي الدراجات من جميع أنحاء العالم من جنوب إنجلترا وعبر نورماندي إلى باريس، حتى وصلوا إلى برج إيفل في الرابع من تموز(يوليو) 2009. وعلى مدى العامين التاليين، دخلوا في شراكة مع مؤسسة الرعاية، ولقد مارسوا ركوب الدراجات أيضا لحشد الموارد المالية لمشاريعهم وبرامجهم المتعلقة بالتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة التي تساند الأطفال ذوي الإعاقة الذهنية أو الجسدية في غزة. وفي عام 2010، قاموا بممارسة ركوب الدراجات من بيزا إلى روما، سالكين دروبا صعبة التضاريس وتلالا شديدة الانحدار على طول الطريق، وقطعوا مسافة تزيد على 400 كيلومتر في أربعة أيام. وفي العام التالي في 2011، قاموا بممارسة ركوب الدراجات في الأردن، لمسافة امتدت لأكثر من 350 كيلومترا على طول الحدود مع فلسطين، من العقبة في الجنوب صعودا إلى قمة البحر الميت.
وتم الانتهاء من فعالية عام 2012 بنجاح في تركيا، حيث قطعوا مسافة 350 كيلومترا في ثلاثة أيام، وانتهى المسار أمام الجامع الأزرق المهيب؛ دعما للمساعدات الطبية للفلسطينيين. واستهدفت هذه المشاريع إيجاد الاستدامة في المجتمعات الفلسطينية الهشة، حيث إن هناك اثنين من المشاريع التي أثرت مباشرة في الناس في غزة، وساند المشروع الثالث الفلسطينيون الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في شمال لبنان وجنوبه.
جذبت القضية الإنسانية اهتمام المزيد من راكبي الدراجات، وفي عام 2013، شارك 39 شخصا في مسيرة بطول 400 كيلومتر من هامبورج إلى برلين في ألمانيا. وتم جمع أكثر من 182 ألف جنيه استرليني لمساندة مشروع "الوصول إلى غزة - ريتش REACH" (الوصول إلى كل طفل متأثر بالصراع في غزة) الذي تم إطلاقه في شراكة مع صندوق إغاثة أطفال فلسطين. ركز المشروع على تحديد وعلاج كل طفل بحاجة إلى الرعاية الطبية في غزة. وفي العام التالي، شارك 41 شخصا آخر في فعالية ركوب الدراجات لمسافة 360 كيلومترا من فيلادلفيا إلى واشنطن العاصمة لجمع مبلغ إضافي قدره 132 ألف جنيه استرليني مساندة لمشروع الوصول إلى غزة "ريتش" نظرا لأثره الكبير منذ انطلاقه في عام 2013.
واستمرت شراكتهم مع صندوق إغاثة أطفال فلسطين في عام 2015، حيث قطع 45 راكب دراجة مسافة 260 كيلومترا عبر هولندا، وانتهت الفعالية عند مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، على ضوء انضمام فلسطين إليها كعضو رسمي. ومساندة لمشروع صندوق إغاثة أطفال فلسطين الذي تم إطلاقه أخيرا بعنوان مشروع الصحة العقلية للأطفال في غزة، تم جمع أكثر من 150 ألف جنيه استرليني لتوفير التمويل الكامل لإطلاق وتشغيل المشروع لمدة عام. وكان الهدف من هذا المشروع هو تقييم احتياجات الأطفال وتدريب الأخصائيين الاجتماعيين في غزة لتلبية تلك الاحتياجات.
تقوم مبادرة "ركوب الدراجات من أجل غزة" هذا العام بجمع التبرعات لتمويل الجمعية الفلسطينية لتشجيع الأطفال على ممارسة الرياضة المعروفة باسم "خطوات" PACES وهي جمعية غير هادفة للربح ومقرها المملكة المتحدة، التي تركز على تطوير وتمويل برامج الرياضة للأطفال الفلسطينيين: وهم الأطفال الذين كان من المحتمل أن يؤول بهم المطاف إلى الشوارع وربما يتعرضون للعنف والتطرف، والفتيات اللواتي كن سيتعرضن للتهميش وعدم التمكين. وقد شارك عديد من راكبي الدراجات والنشطاء، الذين لم يكونوا يمارسون حتى رياضة ركوب الدراجات، في دورة هذا العام لرفع الوعي وجمع الأموال من أجل مؤسسة "خطوات".

الأكثر قراءة