رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


لست ملاكا .. والآخرون كذلك

على الرغم من أننا نستيقن بشريتنا وعدم عصمتنا، وضعفنا، وجهلنا، إلا أننا طيلة الوقت نسعى لتقديم أنفسنا بوصفنا ــــ كاملين ــــ في غير نقص! النرجسية ليست هي العلة التامة والوحيدة في نظرتنا إلى أنفسنا، ربما ينضم إليها عدم النضج، وضيق العقل. فكلما كبرت عقولنا، قل رضانا عن أنفسنا، وشعرنا أننا صغار أمام المعرفة، والإحاطة بالوجود، وأن مساحة اليقين تتضاءل أكثر فأكثر، وأن القلب يستلهم يقينه بما هو فوق الإدراك، وفوق العقل، وفوق التصور المحدود، والضيق، والعجز.
كونك لست ملاكا يعني ألا تسعى لتقديم نفسك بوصفك كاملا وتاما.. إن كل من حولك على يقين بنقصك، وعدم الكمال فيك، ولو سعيت سعيك، وجاهدت جهدك، وغالبت ضعفك.. وحينئذ سترتاح وتستريح..! لأنك حينئذ ستجعل من حولك يتقبلك كما أنت فيه، وما أنت عليه، فأنت دائما الناقص الذي يسعى لكماله، والضعيف الباحث عن سبيل قوته، والجاهل الذي يتعلم ليستر جهله، ويهتدي إلى سبيل رشده.
وكونك لست ملاكا يعني أن تقبل الآخرين بما يليق ببشريتهم، وأنهم ضحايا لعوامل كثيرة اجتمعت لتكونهم بما هم عليه، وما هم فيه أيضا، مثلك تماما وكما هو أنت.. وبهذا سيتسع قلبك لأخطائهم أكثر، وستجد في نفسك قدرة على المغفرة أكثر مما مضى من عمرك، و لن تتوقف عن محبة أحد لأنه مخطئ، أو لأنه أخطأ في حقك، أو أساء إليك، أو ضعف أمام معصية، أو تردى في خطيئة، لأنه لم يخلقه الله ملاكا ولا ينبغي له أن يكون كذلك.
وكوننا لسنا ملائكة هذا يعني أننا نغير ونتغير، ونبدل ونتبدل، وأننا نُصيب ونخطئ، وأننا نصدق ونكذب، وأننا نذنب ونستغفر، ونعصي ثم نندم ونبكي ونعود ونسعى دائما لكي ننيب ونتطهر .
لا أعلم مقدار الطمأنينة التي ستغمرنا فيها، وتحيط بقلوبنا، وترفرف على أرواحنا حين نذكر أنفسنا دائما، أننا لسنا ملائكة وأن الآخرين كذلك، ستنفتح أبوابا أوصدناها في وجه النادم على ذنبه، والمستقيل من خطيئته، والراجع إلينا بمرارة الضعيف المغلوب العاجز .. وسنلتمس لكثير من الذنوب أسبابا من مغفرة، ورحمة، وستر..
لأننا جميعا لسنا ملائكة.. ولم يشأ الله أن يخلقنا كذلك، خلقنا الله بهذا المزج والتركيب والتكوين، ثم وهبنا هذا الوعي العظيم بذواتنا الضعيفة الجاهلة، التي تجعلنا نتقبل بعضنا بعضا بما فينا من نقص، وأن نغفر لبعضنا بعضا، لعجزنا عن الكمال طيلة الوقت.
كثير من الأزواج.. ينفصلون عن بعضهم، لأنهم قاصرون في النضج، وقاصرون في العاطفة، وقاصرون في الفهم، وهذا يتراكم بخطوة واحدة، تبدأ حين يغيب عن وعينا الحاضر ـــ أن الكمال لله وحده ـــ وأن كل الذين نحبهم، وكل الذين يحبوننا، وأولادنا، وأزواجنا، وكل من نحب.. كلهم جميعا مثلنا تماما ليسوا ملائكة.. وتقبلنا لضعفهم وذنبهم وسيئاتهم، هو وحده الذي يحدد مستوى نضجنا ووعينا ومبلغ علمنا، من يصيب من حقه بحكم بشريته أن يخطئ.. وينبغي دائما أن نحبه في الحالين ونحب الصواب منه، ونبغض الخطأ فيه. فحسبه أنه ليس ملاكا كما نحن تماما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي