لماذا الخشية من الضريبة في الخليج؟

نظرة خاطفة على ما تتناقله وسائل التواصل الاجتماعي وما يصلني من معلومات أرى أن هناك نوعا من الخشية من الضرائب في دول الخليج العربي.
قد يكون للأمر ما يبرره. أبناء وبنات هذه المنطقة – التي هي مركز الثراء الاستراتيجي في العالم – عاشوا في بحبوحة ورخاء.
ووصلوا إلى ما وصلوا إليه من السعة والنعمة بفضل ما منّ الله عليهم وعلى دولهم من خيرات يكتنزها باطن الأرض. وكانت الأسعار والريع من الفيض والسخاء والجود بما يكفي ويزيد.
والحكومات التي تفيض خزائنها تغدق على شعبها. وهذا ما قامت به حكومات الدول الخليجية في توزيع الثروة الريعية على مواطنيها.
المواطنون – وربما هذا من حقهم – ترعرعوا على أن الكرم هذا تحصيل حاصل والمس به لا يجوز حتى وإن كان ما قدمه الناس من جهد وعمل لا يوازي العطاء.
ومن هنا ولهذه الأسباب وغيرها يرى الناس أن "الضريبة" – استقطاع جزء من الدخل للصالح العام – ربما بمنزلة عقوبة وهي ليست كذلك.
وإن كان الناس ينظرون نظرة سلبية إلى الضريبة فإن ذلك ربما أيضا مرده إلى قلة التوعية وصعوبة الفصل بين العام والخاص. العام هو ملك الكل. الخاص هو الثروة الفردية أو الشخصية التي يجنيها أو يجمعها الإنسان بعرق جبينه.
هناك توعية ضريبية تستند قبل كل شيء إلى الشفافية. من حق الناس أن يكون لها اطلاع شفاف على كل الدخل – من حيث الوارد والصرف – الذي يصل إلى الخزينة العامة.
في الغرب ولا سيما في دول شمال أوروبا، الأكثر تطورا ورقيا في الأرض وحيث تصل الضريبة نسبا هي الأعلى في العالم، قلما يكترث الناس للضرائب. الناس ترى أن الرخاء الذي هو فيه يأتي من الضريبة التي تدفعها للدولة.
والناس تعلم – حيث جرى توعيتها في المدرسة ومن خلال الإعلام – أن الضريبة جزء من الحياة وأن الحياة بالشكل الذي هي فيه لا يمكن لها أن تدوم وتتحسن دونها.
والضريبة وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية. كلما زاد دخل الشخص، زادت نسبة الضريبة التي عليه دفعها.
والضريبة ذاتها تحافظ على التوازن الاجتماعي حيث لا يجوز أن يعيش أي فرد في المجتمع تحت خط محدد يحفظ له كرامته ويمكنه من السكن والعيش الكريم والمشاركة بفعالية في النشاطات الاجتماعية.
الغني يعيش مرتاح البال لأنه يسهم مساهمة كبيرة من خلال الضريبة في تحقيق التوازن في المجتمع والعدالة الاجتماعية. وصاحب الدخل المحدود يؤمن أن الدولة متمثلة في القطاع العام مهمتها خدمته وأن الحياة قد لا تستقيم دون مساهمة أصحاب الأموال من القطاع الخاص.
وهكذا ترى الناس أن كل خدمة تقدمها وكل عمل تقوم به كي يزداد القطاع العام مكانة ودخلا وكي تترسخ مكانة الأغنياء بأموالهم وشركاتهم تزيد من رخائهم وتعزز رفاهيتهم أيضا.
والدول تستخدم الضريبة لحث الناس على الولوج في نشاطات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية وعلمية وفنية ذات مردود عام للمجتمع.
الدولة من خلال الضريبة تحدد مثلا استهلاك الوقود والماء والكهرباء ونوعية وسيلة النقل التي تجوب الشوارع.
قلما ترى سيارات الدفع الرباعي في دول شمال أوروبا لأن الدولة تفرض عليها ضرائب طائلة يهرب منها حتى الأغنياء. الغاية هي تقليل استهلاك الوقود والمحافظة على البيئة وكذلك تحقيق نوع من المساواة في الشارع. المساواة قدر الإمكان أساس النسيج الاجتماعي في هذه الدول.
خفض ورفع الضريبة يحدد أسلوب الاستهلاك. حاليا نرى إعفاءات ضريبية كبيرة لكل من يشتري أو يستخدم وسيلة نقل أو آلة أو ماكينة لا تستخدم البترول وزيادة في ضريبة أي وسيلة نقل أو آلة أو ماكينة تعتمد على البترول.
التصرف الضريبي هذا أدى إلى زيادة كبيرة في وسائل النقل التي تستهلك الطاقة البديلة وكذلك إلى إنشاء محطات كهربائية كبيرة دون الاعتماد على الغاز أو النفط.
الضرائب التي نقرأ عنها، التي تم فرضها في الدول الخليجية نسبها متدنية جدا مقارنة بمثيلاتها في دول شمال أوروبا ومع ذلك يتم الحديث عنها وكأنها ستؤدي إلى تغيرات كبيرة في أسلوب الحياة في هذه الدول.
أظن أنه على دول الخليج الدخول في باب الضرائب ولكن بطريقة مدروسة وعلمية تحافظ على مستوى المعيشة لا سيما لأصحاب الدخل المحدود.
وهذا يبدأ بتكوين شبكة واسعة من الضمان الاجتماعي تمكن الناس لا سيما أصحاب الدخل المحدود أو حتى العاطلين عن العمل من الحفاظ على مستوى معاشي كريم ومقبول.
وتلحق بنظام الضرائب إجراءات من أجل الشفافية وكذلك القيام بحملة من التوعية كي يعرف الناس أن الضرائب في محصلتها النهائية هي لفائدتهم.
وعندها سيتقبلها الناس وتصبح جزءا من حياتهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي