رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ضبابية المشهد الاقتصادي البريطاني

يبقى الوضع الاقتصادي البريطاني غير مفهوم إلى أن يتم الاتفاق على صيغة العلاقة المقبلة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهذا الوضع سيظل ضبابيا إلى أن تتضح معالم هذه العلاقة، خصوصا في ظل وجود رفض أوروبي متصاعد لأي اتفاق مع بريطانيا يتطابق مع الاتفاق القائم حاليا بين النرويج والاتحاد الأوروبي. بمعنى آخر أن هؤلاء المعارضين لا يريدون أن تحصل لندن على أي منافع ومزايا طالما أنها قررت الخروج من خلال الاستفتاء الشعبي الذي جرى في حزيران (يونيو) الماضي. وبينما تحاول رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة تيريزا ماي تعطيل تفعيل المادة 50 من المعاهدة الأوروبية التي تنص على طريقة خروج العضو من الاتحاد، إلا أن قادة الاتحاد الأوروبي ليسوا راضين عن مثل هذا التعطيل أو التأخير.
أمام هذا الوضع، ليس غريبا أن يتم سحب الأموال من بريطانيا من قبل صغار المستثمرين الخائفين على أموالهم، خصوصا بعد أن تآكل الجنيه الاسترليني في غضون ساعات بأكثر من 15 في المائة. ليس هذا فحسب، بل أقدموا على بيع عقاراتهم المملوكة في بريطانيا خوفا أيضا على أصولهم المالية، مع الإشارات الواضحة على أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيخلف آثارا سلبية أيضا في سوق العقارات، وأن هذه النتائج ستتضح تماما في أعقاب استكمال جهات عدة عمليات سحب أعمالهم من بريطانيا ونقلها إلى فرنسا، أو أي بلد ضمن حدود الاتحاد الأوروبي. فهناك تقديرات أن العقارات التجارية كما السكنية ستشهد تراجعا في قيمتها قبل نهاية العام الجاري بصورة مخيفة.
وفي كل الأحوال، تخشى صناديق الاستثمار في بريطانيا من استمرار عمليات السحب التي يقوم بها صغار المستثمرين من السوق البريطانية. فهؤلاء، من أسرع الشرائح الاستثمارية تضررا، بل إن مراقبين اقتصاديين اعتبروا أن أوضاعهم الآن أسوأ مما كانت عليه عند اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008. ومن المؤكد أن عمليات السحب سترتفع بصورة أكبر فور البدء في انسحاب بريطانيا الفعلي من الاتحاد. ليس هذا فقط، بل إن مؤسسات بريطانية أصيلة أعلنت صراحة أنها ستنقل مقارها خارج المملكة المتحدة، في حين بدأت بعض هذه المؤسسات اتصالاتها بهذا الشأن، بما فيها أكبر شركة طيران اقتصادي في العالم "راين إير" التي قررت نقل مركز عملياتها الرئيس إلى فرنسا.
وفي الأسابيع التي تلت الاستفتاء على الانفصال، زادت عمليات تسريح الموظفين والعمال، وتم تجميد الرواتب، وتأثر بصورة سلبية كبيرة أكثر من مليون بريطاني متقاعد في أوروبا بتراجع الجنيه الاسترليني، كما سيتأثر كثير من المؤسسات البريطانية التي تعتمد في جزء من تمويلها على الاتحاد الأوروبي، بما فيها قطاع البحث العلمي والابتكار. كل ما حدث كان متوقعا، وكل ما سيحدث ليس بعيدا عن التوقع. صحيح أن بريطانيا استفادت من تراجع الاسترليني بارتفاع عدد السياح إليها في هذا الموسم، ليس الصحيح أيضا أنها تنتظر مستقبلا ليس مستقرا على عكس ما يحاول المؤيدون للانسحاب ترويجه. ومن هنا، ليس غريبا أن يسحب المستثمرون الصغار أموالهم، إذا ما كان المستثمرون الكبار يستعدون لسحب جزء من استثماراتهم، فضلا عن نقل مراكز أعمالهم إلى خارج حدود المملكة المتحدة.
الأسابيع القليلة المتبقية من هذا العام، سترسم معالم الصورة الاقتصادية لبريطانيا، وسيكون المشهد واضحا جدا فور التوقيع على الاتفاق بينها وبين الاتحاد الأوروبي، الذي لا يرغب في منح مزايا لدولة لا تريد أن تكون عضوا فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي