الغزلانويون
من هم الغزلانويون؟
هل هم ينتمون إلى طائفة صوفية؟ فلربما أوحى بهذا التقارب مع اسم الشيخ محيي علوم الدين الغزالي، صاحب التصوف الغزلاني الذي طبع به آخر حياته، أم أنهم جماعة ينتمون إلى بلاد تركب الفيلة وتروض الثعابين واسمها غزلانستان؟ أم دراويش طوافون موزعون في التكايا والزوايا، ومحافل الذكر؟
لا هذه، ولا هذا، ولا ذاك.
هم فعلا من منطقة ليس اسمها غزلانستان، ولكنك لن تسأم من الكذابين إن أطلقت عليها هذا الاسم بحكم أن "ستان" تعني بالفارسية والأردية والأفغانية والتركمانية، "أرضا" أو "بلادا".
إني في رحلة أود ألا تقف في البحث عن الإيجابيات في بلادنا الواسعة، وأقول إني لا أخاف على البنيات المسميات بالسلبية والسوداوية والتذمرية، لا أخاف عليهن؛ لأن لهن آباء كثرا.. إلا أن هناك بنية حلوة طاهرة الأردان واسعة العينين حزينة المقلتين تقطر جمالا ولطفا، وهي مسكينة يتيمة لا أب لها واسمها الإيجابية.. غيري وأنا قررنا تبني هذه البنت.. آملين أن تكبر مثل بنات القصص الخرافية سندريلا وصويحباتها حينما تكبر الفقيرة اليتيمة ويشع جمالها، ويصل لكل مكان، فتسعد الأعين، وتحير الجان وبني الإنسان.
وعندما وصلتني دعوة لزيارة محطة كهرباء غزلان، وتبعد 50 ميلا عن الدمام في المنطقة الشرقية من السعودية، كنت من الفرحين المستبشرين، فغزلان محطة كهرباء هي فخر لصناعة الكهرباء في كل منطقة الشرق الأوسط، هي الأكبر والأحدث والأجمل والأكثر عصرية. إنها دعوة من بنيتي الإيجابية لزيارة المحطة، والأهم زيارة الشباب العاملين فيها من المهندسين والفنيين الذين هم رحيق العقل الصناعي الكهربائي في البلاد، وربما خارج البلاد. ولقد كان حسن استقبال الشباب لي مثيرا فعلا؛ لأنهم يودون أن يفخروا، لا الفخر والمباهاة بأنفسهم وأنسابهم ووجاهتهم، بل فخر بمحطتهم، وبما تعمله عقولهم وأياديهم في الحفاظ على المنجز الكبير.. منجز كبير، بل أكبر وأكبر مع الأيام وتتالي السنين.
إذن عرفتم من هم الغزلانويون، هم قوم ينتمون إلى محطة في أرض اسمها غزلان، وهؤلاء قوم معظمهم من الشباب السعودي حيث يعمل قرابة 480 مهندسا وفنيا 60 و80 في المائة منهم سعوديون، وهم يخططون أن يكونوا 100 في المائة في سنوات قليلة.
محطة غزلان عندما تدخلها من بوابتها الأنيقة، وحراستها الدقيقة من شباب الأمن الصناعي في الشركة لا يمكن أن تتصور أنك دخلت منطقة صناعية كهربائية، إنما وكأنما تتفتح أمامك طرقات وميادين منتجع أخضر بتخطيط نباتي أنيق، يتوسد ساحل الخليج الأزرق وكأنه غفا بعيدا عن بقية الأرض.. إلا أن بداخله توربينات تهدر، وآلات تطحن، ودرجات السعير في أفران يكاد حديدها يغلي لتوفير أهم منتج على الأرض، الطاقة الكهربائية.
وجدت أمورا جميلة ومفرحة جعلت البنت إيجابية تكبر وتزهو أمامي.. انظروا، إن الشباب في محطة غزلان يشكلون بيت خبرة تستفيد منه شركة الكهرباء في باقي محطاتها لمواجهة أعقد المشكلات التقنية، وهو استغلال ذكي جدا للرأسمال البشري، فالمهندسون والفنيون قاموا بما يصل لتخوم الإعجاز بالتفاني داخل ورشتهم البالغة النظافة والتقنية، حيث دربوا أنفسهم بأنفسهم على إعادة التصنيع بدل الاعتماد الكلي على المشتريات الخارجية، فوفروا ملايين الريالات على الشركة، مع خبرة متجمعة تقنيا وصناعيا لا تقدر بالأثمان.
والصورة النمطية أن أي محطة تلوث الأرض وما تحت الأرض، ولكن في غزلان تنتج المحطة ماء سائغا للشرب، تبيع معظمه إلى "أرامكو" السعودية بتسعة ملايين ريال سنويا.
تصوروا!
وهنا أهمس لقيادات الشركة بفكرة تعطي الصورة الجميلة بيئيا لمحطة غزلان ولشركة الكهرباء بالعموم: لماذا لا تقومون بصنع معمل تعبئة ماء بالقوارير تحت اسم "غزلان"؟ ويوزع داخل مكاتب الشركة ولضيوفها خاصة من الإعلاميين.. وهي مياه معالجة بأعلى المستويات، بدليل مرورها من قياسات اختبار "أرامكو"، وستكون أجمل و"أعذب" دليل على أن محطة غزلان الكهربائية تحافظ على ما فوق الأرض .. وما تحت الأرض.