هل نحن مقبلون على انتعاش آخر دون فرص للعمل؟
ردم الفجوة في عجز الميزانية حكاية بالية: يقول الرؤساء التنفيذيون في مجال الأعمال الآن إن الخروج من الأزمة الاقتصادية يتمثل في ردم الفجوة في المهارات، وضمان أن يكون لدى الناس ما يلزم للحصول على فرص عمل حقيقية في النظام الاقتصادي الجديد.
ظل التركيز الرئيس للسياسات الاقتصادية الكلية منذ الأزمة المالية عام 2008 منصبا على تخفيض العجز وميزانيات التقشف، وهذا ليس بكاف، فقد قال خوسيه مانويل باراسو، رئيس المفوضية الأوروبية، لجمهور من كبار رجال الأعمال، في قمة الأعمال الأوروبية، التي عقدت في بروكسل في نيسان (أبريل): التقشف وحده لن يكون حلا للأزمة الاقتصادية الأوروبية.
ويقول باراسو: "يحتاج المواطنون الأوروبيون إلى الارتقاء بتعليمهم ومهاراتهم ليكونوا قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل". ويضيف، موضحا رؤيته بخصوص الانتعاش القائم على المهارات، الذي من شأنه تمكين أوروبا من الاستفادة من الفرص المتاحة في الأسواق العالمية: "يجب أن تكون أوروبا أكثر قدرة على تحقيق نمو مستدام، وأن تكون قادرة على الجمع بين توفير فرص العمل والإدماج الاجتماعي، حيث يستطيع الناس اكتساب المهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق الازدهار".
كريستيان جوركوين، الذي ترك منصبه كرئيس تنفيذي للشركة الكيماوية الأوروبية «سولفاي»، مقتنع تماما بأنه سيكون لتطوير المهارات أثر في النمو أكبر من أي خفض في العجز: "كانت أجيال ما بعد الحرب غير مدركة للقيمة المضافة التي ابتدعوها، ولذلك فقد ابتدعوا منها أكثر مما كان يعتقد، وكانت أوروبا في ذلك الوقت مزدهرة جدا، أما الآن، فإن لدينا العكس تماما، حيث يعتقد الناس أنه لا يزال بإمكانهم ابتداع المزيد من القيمة المضافة، لكن الحقيقة أن ذلك الجزء من تلك القيمة المضافة قد ذهب أدراج الرياح، وأن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن نبتدعها هي أن نبتدع أصولا في المعرفة، وهذا يعني أنه يتعين علينا أن نتعلم، إذ لا يمكن لنا أن نحقق الازدهار في القرن الـ 21 بنظام تعليمي يعود إلى القرن الـ 19".
يوجد في الوقت الحالي 25 مليون عاطل عن العمل في أوروبا، أي بنسبة 10 في المائة من مجموع السكان. يعتقد برونو لانفن، الرئيس التنفيذي للمختبر الإلكتروني في "إنسياد"، بأن التركيز على خفض العجز بدلا من تطوير المهارات، سيؤدي حتما إلى انتعاش دون فرص للعمل، بدلا من انتعاش زاخر بفرص العمل: "يتعين علينا أن ننظر إلى المهارات كهرم، تمثل الطبقة الوسطى منه الجانب المهني ــــ الحاجة إلى مهندسين ومبرمجين وممرضين وغيرهم. وإلى الأسفل من ذلك هو ما تفعله في قطاع التعليم الابتدائي والثانوي لمساعدة الأطفال على التعامل مع مزيد من التفكير التحليلي والتفكير الاستنباطي ومحو الأمية في مجال تكنولوجيا المعلومات. وفي أعلى الهرم، هناك مهارات الإدارة المستقبلية للاقتصاد القائم على المعرفة. كيف توجد المهارات لكي يكون لديك مزيد من المديرين القادرين على إدارة الأمور عبر الحدود الوطنية والثقافية، أي مخاطبة الناس ضمن فرق افتراضية وبلغات مختلفة؟".
لكن لانفن يقر أن السوق والتنافس على المواهب مسألة عالمية، وأن على الشركات في أوروبا أن تعمل على تطوير عقلية عالمية: "يتعين علينا أن ندرك أن إدارة المهارات والابتكار هي عمليات راشحة، إذ لا توجد ضمانة بأن الناس الذين تستثمر فيهم اليوم لن ينتقلوا إلى منافسيك".
لسنوات عديدة، نمت شركات مثل شركة تاتا بسرعة كبيرة من خلال الاعتماد على المهارات التي تطورت في أوطانها، وتوفير خدمات استشارية خارجية عالية المستوى لشركات في البلدان المتقدمة. لقد تمكنت شركات عالمية من توظيف الخريجين المؤهلين تأهيلا عاليا في الهند بكلفة زهيدة، قياسا بنظرائهم في أسواق بلدانهم، لكن الجانب السلبي لذلك هو أن وظائف ذوي الياقات البيضاء في البلدان المتقدمة قد تم تصديرها بشكل فعال.
يعتقد تشاندراسيكاران أن تدفق فرص العمل ذي الاتجاه الواحد قد أصبح الآن في اتجاهين، ويقدر أن 60 ــــ 70 في المائة من النمو العالمي المتزايد يأتي من الاقتصادات الناشئة لدول البريكس، لكنه مقتنع بأنه يمكن للدول الناشئة والمتقدمة التشارك في الفوائد الاقتصادية المتأتية من ذلك النمو القائم على المهارات، فيقول: "الشيء المهم هو حركة العمالة وتطوير المهارات حتى يتمكن الناس من المشاركة في فرص العمل في جميع أرجاء العالم، فليس من الضروري أن يكون الشخص الذي تتوافر له فرصة عمل في أوروبا موجودا في أوروبا بالتحديد".
يفيد تقرير يوروستات الأخير بأن هنالك تفاوتا كبيرا في مستوى المهارات في دول مختلفة في أوروبا، ويعتقد لانفن من "إنسياد" أنه إضافة إلى وضع هرم للمهارات، فإن أوروبا بحاجة إلى إجراء إصلاحات هيكلية للعمل، من شأنها أن تساعد على اختفاء الفجوة في المهارات، فيقول: "الحركة والمرونة ليست بالمستوى المطلوب، فإذا لم نعمل على أن تكون أسواق العمل في أوروبا أكثر كفاءة، فلن نجني أية فوائد من أي سياسة خاصة بالمهارات يمكن لنا أن نفكر فيها. ليست المهارات في حد ذاتها هي ما نسعى إليه، بل المهارات القابلة للاستخدام". ويجب أن تكون هذه المهارات قادرة على التنقل بحرية لردم الفجوات في المهارات الإقليمية. توفرت في 2015، في أوروبا ما بين 400 إلى 700 ألف وظيفة شاغرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات وحده، وهذا يعني الكثير بالنسبة لقدرة المدارس والجامعات في الاتحاد الأوروبي على إيجاد المهارات اللازمة حاليا لقطاعات مختلفة.
لقد تناول هذه المسألة أيضا الرئيس التنفيذي لشركة تاتا بقوله: "المسألة ليست النوعية فقط، وإنما أيضا الحجم، أي هل لدينا العدد الكافي؟ وهل هم موجودون في الأماكن التي نحتاج إليهم فيها؟ وأيضا، هل نحن نستثمر في التعليم بما يكفي لإعداد الكم المطلوب؟".
إن أحد الأسباب التي مكنت شركة هواوي الصينية العملاقة من أن تحقق نجاحات في الأسواق العالمية بسرعة هائلة هو هذا الحجم الكبير من العمالة المؤهلة تأهيلا مهاريا رفيع المستوى. يقول كين لاو، نائب الرئيس الأوروبي للشركة، إن لديهم أكبر مصدر للبحث والتطوير في العالم، ويعمل نصف عددهم الكلي البالغ 140 ألفا في مجال البحث والتطوير في مراكز ضخمة للتميز في كل من الصين والهند، ويضيف: "لدينا ميزتان، الأولى هي ميزة التكلفة، لكن الأخرى هي حجم المتعلمين الذين نستخدمهم، ففي كل سنة، هناك أكثر من مليوني خريج من كليات الهندسة (يمكننا الوصول إليهم)، وعادة ما ندعو المواهب المحلية في أوروبا ليشاهدوا كيف نقوم بذلك (في الاقتصادات الناشئة)".