شح الإمدادات مرشح للاستمرار بسبب تصاعد تكلفة الصناعة النفطية
تصاحب حالة ارتفاع أسعار النفط السائدة حاليا عوامل أخرى مثل ارتفاع تكلفة العمالة والتشغيل للصناعة النفطية، الأمر الذي يسهم في تباطؤ أو تعطيل جهود الدفع بإمدادات جديدة إلى السوق. وأصبح هذا عاملا جديدا يضاف إلى حالة الغموض التي تسود السوق النفطية. ويرى محللون أن الفشل في ضخ المزيد من الاستثمارات في الصناعة النفطية يبذر بذور أزمة إمدادات جديدة، وذلك على عكس الأزمات السابقة المتمثلة في ارتفاع الأسعار، إذ يسهم سعر البرميل المرتفع في تقليل الطلب إن لم يكن خموده، ما يدفع تلقائيا نحو تراجع في الأسعار وهو ما تكرر عدة مرات، أبرزها تجربة 1983 التي فرضت على منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" خفض سعرها الرسمي لأول مرة في تاريخها وبمعدل بلغ 15 في المائة.
لكن خلال فترة الارتفاع الحالي في الأسعار المستمرة منذ نحو أربع سنوات، فإن تكلفة العمالة، تشغيل الآليات إلى جانب عنصر التضخم استمرت في التصاعد تماما مثل أسعار النفط، الأمر الذي أدى إلى شل حركة بعض الشركات سواء الكبرى منها مثل "أكسون/ موبيل" إلى الشركات الوطنية التي تعاني قلة الإمكانات. وكانت حصيلة هذا الموقف إما حدوث تباطؤ في تشغيل بعض المشاريع أو تأجيلها بصورة كلية. والنتيجة أنه في الوقت الذي يتصاعد فيه الطلب بمعدل 2.5 إلى 3 في المائة، فإن وضع الإمدادات لا يكاد يغطي حجم الزيادة في الطلب. ورغم تصاعد الأسعار ووصولها إلى 78.21 دولار للبرميل من خام ويست تكساس مطلع هذا الشهر، إلا أنه بالقياس إلى أعلى معدل وصلته الأسعار وهو 101 دولار في نيسان (أبريل) من عام 1980 وذلك إذا أخذ عنصر التضخم في الاعتبار.
وترى مؤسسة كامبريدج لأبحاث الطاقة أن معدلات التكلفة الاستثمارية للصناعة النفطية زادت نحو 80 في المائة منذ عام 2000 وحتى العام الماضي. ومن ناحية أخرى يمكن القول إن السعر تضاعف خلال هذه الفترة من 30.30 دولار للبرميل في 2000 إلى 61.60 دولار في النصف الأول من هذا العام، كما حددت ذلك دراسة لباركليز كابيتال.
ومع أنه يمكن القول وبصورة عامة إن تصاعد الأسعار يدفع ببعض الاستثمارات إلى التوجه إلى القطاع النفطي والغازي، إلا أن الأمر يحتاج إلى وقت ما كي يمكن بروز نتائج فعلية. ويقول أد مورس كبير الاقتصاديين في المؤسسة الاستشارية ليمان برازرز إن سعر برميل النفط يمكن أن يزيد خمسة إلى عشرة دولارات كل عام ولسنوات طويلة مقبلة، وإن ما يمكن أن يضيفه الوقود الحيوي ووسائل الطاقة البديلة الأخرى هي التي يمكن أن تعوض وتوفي بالطلب المتزايد.
وتزداد صعوبة ضخ إمدادات جديدة بسبب يعود إما إلى أن المناطق الواعدة توجد في مناطق بعيدة أو يصعب العمل فيها كما هو الأمر مع الاحتياطيات التي توجد في مناطق المياه العميقة. وكانت دار ليمان برازرز أجرت مسحا في العام الماضي توصلت فيه إلى وجود 299 شركة نفط وغاز تخطط لزيادة إنفاقها الرأسمالي بنسبة 9 في المائة خلال هذا العام إلى 292 مليار دولار من 268 مليارا العام الماضي.
ويشير تقرير آخر إلى أن تكلفة استخراج البرميل وتجهيزه للتصدير تصاعدت في العام الماضي إلى 20.40 دولار من خمسة دولارات قبل خمس سنوات. ونتيجة لهذا فإن أي زيادة في الإمدادات تكاد تغطي فقط جزءا من نسبة الزيادة في الطلب.
وأدى هذا الوضع إلى حدوث تأخير في عمليات الإنتاج بسبب التكلفة المتصاعدة. ففي كازخستان التي اكتشف فيها أكبر حقل نفطي في غضون 40 عاما، أصبح مشروعها معرضا للتأجيل مرة أثر أخرى خاصة بعد مضاعفة التكلفة بنسبة الضعف إلى 20 مليار دولار، ويتوقع في النهاية تدفق النفط من المشروع بعد تأخير استغرق خمس سنوات. وتشهد روسيا كذلك مشروعا مماثلا تعرض للتأخير بسبب جزئي يعود إلى تصاعد التكلفة. فالمتاعب التي واجهت مشروع جزيرة سخالين اضطرت شركة شل إلى بيع جزء من حصتها فيه لصالح الشركة الحكومية غازبروم بعد زيادة كبرى في التكلفة قاربت عشرة مليارات دولار.
من ناحية أخرى، فإن صعوبة الوصول إلى مناطق ذات احتياطيات جيدة دفعت باتجاه السعي إلى اكتشاف أماكن جديدة، بل ووصل الأمر إلى حدوث شيء من التسابق على المنطقة القطبية الشمالية، التي تتنافس على ملكيتها كل من الولايات المتحدة، روسيا، النرويج، والدنمارك. ويتخذ النشاط مظهرا يعود إلى بواكير فترة الكشوفات الجغرافية التي سبقت المرحلة الاستعمارية، حيث تقوم البعثات بوضع أعلام بلدانها. ووصل الأمر بموسكو إلى إرسال اثنين من أعضاء مجلس الدوما في غواصة لتأكيد حقوقها في المنطقة، كما أنها وضعت ادعاءها لدى الأمم المتحدة التي تخطط للنظر فيه في غضون عامين.
المنطقة يعتقد أنها تحتوي على احتياطيات نفطية قد تصل إلى عشرة مليارات برميل، وهو احتمال كاف في حد ذاته للدفع باتجاه شيء من التسابق ووضع اليد على هذه الثروة.